للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحال تنفسه. فما المراد بهذين القيدين وما سر التقييد بهما؟

قال ابن فارس: "السين والفاء والراء أصل واحد يدل على الانكشاف والجلاء". ومن ذلك السفر سمي بذلك؛ لأن الناس ينكشفون عن أماكنهم، أو لأنه يسفر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم، فيظهر ما كان خافيا منها. ومنه قوله تعالى: {وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ} (١) بمعنى أضاء وانكشف الظلام (٢).

أما التنفس فهو في الحقيقة خروج النفس من الحيوان والإنسان، ولكنه استعير هنا لظهور الضياء من خلال الظلام، على تشبيه خروج الضياء بخروج النفس، على طريق الاستعارة المصرحة. أو لأنه إذا بدا الصباح أقبل معه نسيم فجعل ذلك كالتنفس له على طريق الاستعارة المكنية؛ بتشبيه الصبح بذي نفس، مع تشبيه النسيم بالأنفاس (٣).

وأما الحكمة من القسم بالصبح فهي ما أشرت إليه آنفا في "القسم بالفجر" من مشابهة خروج الضوء من الظلام، بالنشور بعد الموت.


(١) سورة المدثر الآية ٣٤
(٢) ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مادة (سفر)، ج ٣، ٨٢.
(٣) الزمخشري: الكشاف، ج ٤، ص ٦٩٧. ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج ٣٠، ص ١٥٤.