للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا أقل من الإلمام ببعضها، وأكثر علماء العرب مقصرون في علم اللغات، والذين يعرفون شيئا من اللغات الأخرى منهم قليل، وقد كان عمر - رضي الله عنه - يعرف اللغة العبرانية ويقرأ التوراة ويفهمها. وقال الترمذي في جامعه " باب تعلم السريانية " ثم روى بسنده إلى زيد بن ثابت قال «أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أتعلم كلمات يهود وقال: بأني والله ما آمن يهود على كتابي قال: فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له، قال فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت له وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم، (١)» هذا حديث حسن صحيح.

قال العالم الرباني أستاذي عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري رحمه الله رحمة واسعة في شرح هذا الحديث من كتابه "تحفة الأحوذي في شرح الترمذي " ج٣ ص٣٩٢. ما نصه: قال القاري: قيل فيه دليل على جواز تعلم ما هو حرام في شرعنا بالتوقي والحذر عند الوقوع في الشر كذا ذكر الطيبي في ذيل كلام مظهري وهو غير ظاهر إذ لا يعرف في الشرع تحريم تعلم شيء من اللغات سريانية أو عبرانية أو هندية أو تركية أو فارسية وقال تعالى في سورة الروم "٢٢" {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} (٢) أي لغاتهم بل هو من جملة المباحات.

وهذا الحديث رواه أيضا أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه وذكره في صحيحه تعليقا، ومعنى الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الصحابي الجليل كاتب الوحي زيد بن ثابت أن يتعلم كتابة اليهود وفي رواية أمره أن يتعلم السريانية وعلل ذلك بأنه عليه الصلاة والسلام لا يأمن اليهود أن يكتبوا له إذا أراد أن يكتب إليهم أو يقرءوا إليه كتابا يأتيه منهم لئلا يزيدوا فيه وينقصوا ويبدلوا ويغيروا فتعلم زيد ما أمره به النبي - صلى الله عليه وسلم - في نصف شهر وقد يشكل فهم هذا من وجهين: الأول: أن المعهود من اليهود أن يتكلموا أو يكتبوا بالعبرانية لا بالسريانية. الثاني: كيف يستطيع متعلم أن يتعلم لغة أجنبية في نصف شهر، والجواب عن الأول أن اليهود في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - بل في زمان عيسى ابن مريم عليه السلام وقبله


(١) سنن الترمذي الاستئذان والآداب (٢٧١٥)، سنن أبو داود العلم (٣٦٤٥)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ١٨٦).
(٢) سورة الروم الآية ٢٢