للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما ذكر الله تبارك وتعالى ذلك لخلقه ليتعظوا ويأخذوا العبرة من تلك العقوبات فيجتنبوا أسبابها، ومن أهم أسبابها الإصرار على المعتقدات الخاطئة المنحرفة، وذلك أن تلك الأمم التي أهلكها، جمعت في معتقداتها الباطلة صنوفا من الانحراف، فمن ذلك الإشراك بالله، وإنكار الرسالات الإلهية، والتكذيب بالبعث، ودعوى الربوبية في المخلوقات، كما أن بعض الأمم التي آمنت برسالات بعض الأنبياء قد وقعت في بعض صور الانحراف الفكري فعوقبت أيضا، كما حصل من بني إسرائيل حين اتخذوا العجل إلها، وطلبوا رؤية الرب تعالى في الدنيا جهرة، وطلبهم من موسى أن يجعل لهم إلها غير الله، ووصف الله عز وجل بما لا يليق كقولهم إن الله فقير، وقولهم يد الله مغلولة، فسلط الله تعالى عليهم من أزال ملكهم وشردهم من أوطانهم وسبى ذراريهم، كما هي عادته سبحانه وسنته في عباده إذا أعرضوا عن الوحي وتعوضوا عنه بكلام الملاحدة والمشركين.

وحصل أيضا عند المنتسبين للإسلام بعض صور الانحراف الفكري، من جنس التعلق بكلام الفلاسفة في الإلهيات، وظهور التعلق بالقبور من دون الله في كشف الخطوب وشفاء الأمراض وغير ذلك، فعوقبوا بتسلط الأعداء وقهرهم، وفي هذا يقول ابن القيم: كما سلط النصارى على بلاد المغرب لما ظهرت فيها الفلسفة والمنطق واشتغلوا بها، فاستولت النصارى على أكثر بلادهم وأصاروهم رعية لهم،