للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من حديث ابن عمر ومن حديث المغيرة وغيرهما في الصحيحين وليس في البخاري وحده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الميت يعذب بما يناح عليه (١)»، وفي رواية للبخاري: «ببكاء أهله عليه (٢)»، والمراد بالبكاء: النياحة وهي: رفع الصوت، أما البكاء الذي هو دمع العين فهذا لا يضر، وإنما الذي يضر هو رفع الصوت بالبكاء وهو المسمى بالنياحة. والرسول صلى الله عليه وسلم قصد بهذا منع الناس من النياحة على موتاهم وأن يتحلوا بالصبر ويكفوا عن النوح، ولا بأس بدمع العين وحزن القلب، كما قال عليه الصلاة والسلام لما مات ابنه إبراهيم: «العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون (٣)»، فالميت يعذب بالنياحة عليه من أهله، والله أعلم بكيفية العذاب الذي يحصل له بهذه بالنياحة، وهذا مستثنى من قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (٤)، فإن القرآن والسنة لا يتعارضان، بل يصدق أحدهما الآخر ويفسر أحدهما الآخر، فالآية عامة، والحديث


(١) رواه الإمام أحمد في (مسند الكوفيين) من حديث المغيرة بن شعبة برقم (١٧٧٣٧)، والبخاري في (الجنائز)، باب ما يكره من الناحية على الميت برقم (١٢٩١)، ومسلم في (الجنائز) باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه برقم (٩٣٣).
(٢) رواه البخاري في (الجنائز) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه)) برقم (١٢٨٨).
(٣) أخرجه أحمد ٣/ ١٩٤، والبخاري ٢/ ٨٥، ومسلم ٤/ ١٨٠٧ - ١٨٠٨ برقم (٢٣١٥)، وأبو داود ٣/ ٤٩٣ برقم (٣١٢٦)، وابن ماجه ١/ ٥٠٦ - ٥٠٧ برقم (١٥٨٩)، وابن حبان ٧/ ٤٣٢ برقم (٣١٦٠)، والحاكم ١/ ٣٨٢، والبزار (كشف الأستار) ١/ ٣٠٨ - ٣٨١ برقم (٨٠٥)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٤/ ٢٩٣، والبغوي في شرح السنة ٥/ ٤٢٨ - ٤٢٩ برقم (١٥٢٨).
(٤) سورة الأنعام الآية ١٦٤