للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبو هريرة - رضي الله عنه -: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ " ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم (٢)» الآية.

وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يقول الله تعالى: (إني خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا (٣)».

إن أصل سنن الخير والفلاح مصدرها من عند الله عز وجل فله سبحانه المثل الأعلى والأسماء الحسنى والصفات العلا، وهو يحب معالي الأمور ويكره سفسافها؛ لذلك كان الإيمان به مصدر الخير كله وكان الإشراك به ظلما عظيما للفطرة وانتكاسا لها ومخالفا لطبيعتها وللموثق الذي أخذ عليها في عالم الذر، يقول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} (٤).

ومن هنا إذا دعيت هذه الفطرة إلى الإيمان بالله والقيام بشرائع البر والحق والعدل استجابت، ووجدت في ذلك سعادتها وأمنها وامتدادها، وحققت بذلك سنن الخير والصلاح في حياتها وحياة مجتمعها. أما إذا التوى زمامها وأضلها أولياؤها عن جادة الحق والإيمان بالله، وغذيت بمناهج وعقائد بعيدة عن هداية الله. . انفرط عقدها، وانحلت عروتها فصارت مستعدة لقبول سنن الفساد والضلال ومصداق ذلك ما حدث في الجاهلية قبل الإسلام، ثم ما أحدثه الإسلام في العرب والنقلة التي نقلهم إليها ثم ما نراه اليوم في جاهلية القرن المعاصر، أما العرب في الجاهلية فقد تخبطوا في عقائدهم وأخلاقهم وعباداتهم وسياساتهم، عبدوا الأصنام وجعلوها واسطة بينهم وبين الله، وفي عباداتهم طافوا بالبيت عراة وهامت كل قبيلة حول صنم تعظمه وتقدسه، وفي أخلاقهم استحلوا الخمر والزنا، ووأدوا بناتهم وظلموا نساءهم، وفي


(١) صحيح البخاري الجنائز (١٣٨٥)، صحيح مسلم القدر (٢٦٥٨)، سنن الترمذي القدر (٢١٣٨)، سنن أبو داود السنة (٤٧١٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٢٧٥)، موطأ مالك الجنائز (٥٦٩).
(٢) سورة الروم الآية ٣٠ (١) {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}
(٣) صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (٢٨٦٥)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ١٦٢).
(٤) سورة الأعراف الآية ١٧٢