للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حد هذه الحياة الدنيا ولا تتجاوزها. قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ} (١) {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (٢).

ولكن الفرق بين عمل السنن في المجتمع المؤمن وعملها في المجتمع المنحرف: أنها في المجتمع المؤمن مستقرة وثابتة مطردة وخالدة، إذ هي مرتبطة بمعايير أخلاقية وبقيم معنوية تتجاوز هذه الحياة إلى الدار الآخرة وما أعد الله فيها للمحسنين من ثواب مقيم وأجر جزيل وهذا من شأنه يربط الأمة كلها بمثل ثابتة لا تختلف باختلاف الناس ولا البيئات وصدق الله: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (٣)، {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} (٤) أما في المجتمع غير المسلم فهي غير مستقرة وغير ثابتة ومتغيرة؛ لأنها مرتبطة بالقيم المادية، ومن شأن القيم المادية التغيير وعدم الثبات؛ إذ أساسها المنفعة والمتعة، لذلك تكون الأخلاق فيها نسبية والقيم مهتزة وتصبح القاعدة: (الغاية تبرر الوسيلة) وها أنت ترى كيف أحل اليهود لأنفسهم أموال غيرهم بغير حق، وكيف عم طوفان الوسائل الدنيئة الحياة الاقتصادية - من رشوة وتجارة بالرقيق الأبيض وإفساد الذمم - حياة الناس اليوم لدرجة أن الدول تنادي الآن لعمل ميثاق دولي يحاسب الشركات ويأخذ على يد المفسدين ولكن هيهات؛ فقد اتسع الخرق على الراقع وعمت البلوى ولا بد للأمر من علاج جذري، وصدق الله تعالى: {وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} (٥).

إن المجتمع المسلم تضبطه قاعدتا التكاليف والأخلاق، فالتكاليف تذكره دائما بالله وأن الغاية من الحياة هي عبادة الله عز وجل، وبذلك تصبح أنشطة الحياة


(١) سورة هود الآية ١٥
(٢) سورة هود الآية ١٦
(٣) سورة آل عمران الآية ١٠١
(٤) سورة إبراهيم الآية ٢٧
(٥) سورة الأعراف الآية ٥٨