المتدرب في كل فن، وهو من أنفس صفات متلقي الأحكام الشرعية لتنزيلها على الوقائع في الفتيا والقضاء؛ لأن ثمرة كل علم تطبيقه.
والحاجة ماسة إلى معرفة هذا الفن - تنزيل الأحكام على الوقائع فتوية أو قضائية - وجمعه في بحث، مما يعين المفتيين والقضاة ومن في حكمهم على أداء عملهم فيذكر المنتهي ويبصر المبتدي.
ويشترك القضاء والفتيا في أنهما تطبيق للأحكام الكلية على الوقائع الجزئية، وأحكامهما في الجملة من جهة تنزيل الأحكام متشابهة ولكنهما يفرقان في أمرين:
الأول: أن الفتيا مبنية على الثقة بقول المستفتي مع وجوب التحرز من الحيل، أما القضاء فلا بد فيه من ثبوت الوقائع بطرق الحكم المعتد بها.
الثاني: أن القضاء يلزم بصدور الحكم، أما الفتيا فلا يحكم المفتي فيها بإلزام المستفتي.
لذا كان خطابي في هذا البحث موجها إلى القاضي، لأن نظره في الواقعة أوسع، فهو ينظر فيها كما ينظر المفتي، وزيادة على ذلك ينظر في ثبوت أسباب الواقعة وما يعارضها، ويصدر حكمه بالإلزام بها، وعلى مريد الفتيا لحظ الفرق بينهما على نحو ما ذكرنا عند الإفادة من هذا البحث.