للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما كونه عني به عناية بالغة فهذا أمر تدل عليه دلائل كثيرة كلها تقطع بأن المؤلف بذل مجهودا كبيرا وأنه نظر فيه ونقحه وقرأه مرات وكان يزيد فيه وينقص.

من هذه الدلائل ما ذكره راوي هذا الكتاب الإمام الحافظ أبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي الذي قال بعد أن روى الحديث ٩١١ ما يلي: (هذا الحديث لم يقرأه أبو داود في العرضة الرابعة) (١) وقال صاحب " عون المعبود " في شرح ذلك: (أي لما حدث وقرأ أبو داود هذا الكتاب في المرة الرابعة لم يقرأ هذا الحديث) (٢).

ومن هذه الدلائل قول علي بن الحسن بن العبد: (سمعت كتاب السنن من أبي داود ست مرار. بقيت من المرة السادسة بقية) (٣) وفي تتمة الخبر أنه قرأها في السنة التي مات فيها وهي سنة ٢٧٥ هـ.

أي أن المؤلف ظل يقرأ الكتاب ويذيعه في الناس مدة تقرب من أربعين سنة فلا عجب أن يكون واحد كعلي بن الحسن قد سمع منه هذا ست مرات.

ومن هذه الدلائل ما نقله أبو بكر بن داسة عن أبي داود حيث يقول:

(كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب - يعني كتاب السنن - جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث ذكرت فيها الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وما فيه وهن شديد بينته، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث:

أحدها: قوله (صلى الله عليه وسلم): «الأعمال بالنيات (٤)».

والثاني: قوله (صلى الله عليه وسلم): «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه (٥)».

والثالث: قوله: (صلى الله عليه وسلم): «لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه (٦)».

والرابع: قوله: (صلى الله عليه وسلم): «الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمور مشتبهات (٧)».

ومما يدل على عنايته وإجادته لهذا الكتاب تعليق الذهبي على كلام أبي داود الذي نقله ابن داسة والمتضمن وعدا بتبيين الضعيف الظاهر. قال الذهبي: (وقد وفى بذلك فإنه بين الضعيف الظاهر، وسكت عن الضعيف المحتمل) (٨).


(١) " سنن أبي داود " ١/ ٣٣١.
(٢) " عون المعبود " ١/ ٣٤٣.
(٣) انظر " رسالة أبي داود " بتحقيقنا ص ١٣.
(٤) صحيح البخاري بدء الوحي (١)، صحيح مسلم الإمارة (١٩٠٧)، سنن الترمذي فضائل الجهاد (١٦٤٧)، سنن النسائي الطهارة (٧٥)، سنن أبو داود الطلاق (٢٢٠١)، سنن ابن ماجه الزهد (٤٢٢٧)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٥).
(٥) سنن الترمذي الزهد (٢٣١٧)، سنن ابن ماجه الفتن (٣٩٧٦).
(٦) صحيح البخاري الإيمان (١٣)، صحيح مسلم الإيمان (٤٥)، سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (٢٥١٥)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (٥٠١٦)، سنن ابن ماجه المقدمة (٦٦)، سنن الدارمي الرقاق (٢٧٤٠).
(٧) " تاريخ بغداد " ٩/ ٥٧ " المنتظم " ٥/ ٩٧ " طبقات السبكي " ٢/ ٢٩٣ " وفيات الأعيان " ٢/ ٤٠٤ " كشف الظنون " ٢/ ١٠٠٤ " مختصر المنذري " ١/ ٥ " المنهج الأحمد " ١/ ١٧٥ " جامع الأصول " ١/ ١١١.
(٨) طبقات السبكي " ٢/ ٢٩٣.