للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا اعتزاله؛ لأن الختم على قلوبها، ومنعها من وصول الحق إليها قبيح عنده، تعالى الله عنه في اعتقاده، ولو فهم قوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} (١)، وقوله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (٢)، وما أشبه ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى إنما ختم على قلوبهم وحال بينهم وبين الهدى جزاء وفاقا على تماديهم في الباطل وتركهم الحق، وهذا عدل منه تعالى حسن، وليس بقبيح، فلو أحاط علما بهذا لما قال ما قال (٣).

وهذه الردود على القدرية تدل على فساد قولهم وتأويلاتهم الباطلة: (فإن اطراد قولهم ولازمه وحاصله هو إخراج أفعال العباد عن خلقه وملكه وأنها ليست داخلة في ربوبيته عز وجل، فلا يستعينون على طاعته ولا ترك معصيته، ولا يعوذون به من شرور أنفسهم، ولا سيئات أعمالهم، ولا يهتدون الصراط المستقيم، فقول: إياك نعبد وإياك نستعين وقول: لا حول ولا قوة إلا بالله لا معنى له عندهم، وربما استنكروه، كما جحدوا قوله تعالى: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (٤). هذا مع إنكارهم علم الله عز وجل وقدرته ومشيئته وإرادته،


(١) سورة الصف الآية ٥
(٢) سورة الأنعام الآية ١١٠
(٣) تفسير ابن كثير (١/ ٨١).
(٤) سورة الأنعام الآية ٣٩