للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أول زمن من أزمانه، حين كان في رحم أمه، يخلق فيه ويرزق من غير كسبه، في قرار مكين، لا يؤذيه فيه حر ولا قر، ولا شيء يهمه، ثم أراد الله سبحانه أن يحوله من تلك المنزلة، إلى غيرها، ويحدث له في الزمن الثاني: رزقا من أمه، يكفيه ويغنيه من غير حول ولا قوة، ثم أراد الله أن يعصمه من ذلك اللبن، ويحوله في الزمن الثالث: في رزق يحدثه له، من كسب أبويه، يجعل له الرحمة في قلبيهما، حتى يؤثراه على أنفسهما بكسبهما ويستغنيا روحه، بما يعنيهما، ولا يعينهما في شيء من ذلك، بكسب ولا حيلة يحتالها، حتى يعقل ويحدث نفسه أن له حيلة وكسبا.

فإنه لن يغنيه في الزمن الرابع، إلا من أغناه ورزقه في الأزمان الثلاثة التي قبلها، فلا مقال له ولا معذرة، إلا برحمة الله هو الذي خلقه، فإن ابن آدم كثير الشك، يقصر به حلمه وعقله، عن علم الله ولا يتفكر في أمره، ولو تفكر حتى يفهم ويفهم، وحتى يعلم علم أن علامة الله، التي بها يعرف خالقه الذي خلقه، ورزقه لما خلق (١)، كما أن له رأيا في الخوارج، يحذر منهم، ومن خفايا نواياهم (٢).


(١) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني نشر دار أم القرى بالقاهرة ج ٤ ص ٢٥.
(٢) ينظر سير أعلام النبلاء للذهبي ٤/ ٥٥٣ – ٥٥٥.