للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكم يصدره مفت، يصبح منهجا ينتهجه المقلدون، وسلوكا يسلكه السائرون، ليس تقديسا لهذا العالم أو ذاك - فهو في نظرهم غير معصوم - وإنما للعلم الذي يحمله؛ ولما جبل عليه عامة المسلمين من توقير العلماء وتقدير أقوالهم، وطاعة لأمر الحكيم الخبير في قوله المبين {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (١).

فهؤلاء العلماء هم ورثة الأنبياء، وهم الذين بسببهم يهتدي الناس للحق والنور؛ إذا ادلهمت الخطوب، وتنازعتهم الأهواء، وتفرقت بهم السبل، فما أعظم أمانتهم، وما أخطر تأثيرهم!

ومن هنا يتكرر الوعد في القرآن مشددا على هؤلاء النفر أن يتقوا الله في الناس، وأن يجتهدوا في قيادتهم ودلالتهم للحق {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ} (٢).

قال الإمام الشوكاني في تفسيره " {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ} (٣) قيل: المراد بهذه الآية علماء اليهود؛ لأنهم كتموا ما أنزل الله في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم. والاشتراء هنا: الاستبدال، وقد تقدم تحقيقه، وسماه قليلا؛ لانقطاع مدته، وسوء عاقبته، وهذا السبب وإن كان خاصا


(١) سورة النحل الآية ٤٣
(٢) سورة البقرة الآية ١٧٤
(٣) سورة البقرة الآية ١٧٤