للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدنيوية والأخروية جميعا، أي سعادة البدن والروح، العاجل والآجل، والفضل هو زيادة الإكرام والإنعام لمتبعي ذلك النور فوق ما يخطر ببالهم حتى يدهشوا ويتحيروا ويغبطوا. وقوله سبحانه: {وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} (١) أي يديم عليهم نعمته ويسلك بهم طريق السعادة، وهذا الصراط هو المعبر عنه في آية المائدة بـ {سُبُلَ السَّلَامِ} (٢)

الثاني: في آية المائدة خطاب لأهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، وحث لهم على الإيمان بخاتم النبيين رسول رب العالمين محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه يبين لهم كثيرا مما أخفوه في كتبهم لآية الرجم ويعفو عن الكثير مما تدعو الضرورة إلى بيانه فيتركه مستورا.

الثالث: أن الله سبحانه أخبرهم بأنه قد جاءهم منه نور وبرهان كما قد جاء غيرهم، وهذا النور والبرهان هو كتاب الله القرآن، فالعطف عطف تفسير كما في قول الشاعر:

ألا حبذا هند وأرض بها هند ... وهند أتى من دونها النأي والبعد

فالنأي هو البعد، وقال عنترة:

حييت من طلل تقادم عهده ... أقوى وأقفر بعد أم الهيثم

فالإقواء هو الإقفار، وقال عدي بن زيد:

فقد دث الأديم ... وألفى قولها كذبا ومينا

والمين هو الكذب ومثله قوله تعالى في سورة البقرة (٥٣) {وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (٣) فالفرقان هو الكتاب.

وأخبر سبحانه بأنه يهدي بذلك الكتاب المبين من اتبع رضوانه، و (من) من ألفاظ العموم تصدق على الفرد والجماعة، فكل من اتبع رضوان الله بأن عمل بما في كتابه واستضاء بنوره فاتخذه إماما وحكما، وتخلق بما فيه من الأخلاق يهديه الله سبل السلام، أي طرق السلامة في الدنيا والآخرة، فلا يسلك سبيلا إلا صحبته السلامة ويخرجهم أي المستضيئين بنور القرآن من الظلمات إلى النور، وظلمات الحياة كثيرة، والنور هو زوالها، ولذلك أفرد (بإذنه) أي بتوثيقه وإرادته، ويهديهم في جميع أعمالهم إلى صراط مستقيم، وهو الاعتدال في أعمالهم وأحكامهم بلا إفراط ولا تفريط لتمسكهم


(١) سورة النساء الآية ١٧٥
(٢) سورة المائدة الآية ١٦
(٣) سورة البقرة الآية ٥٣