وهذا القول في رأيي قد جانب الصواب من حيث إلغاء وتعطيل جزء مهم من سبيل النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة وهي "مرحلة الاستخفاء" في العهد المكي، وقد قال الله عز وجل:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي}(١)، ومعلوم أن سبيله في الدعوة يشمل سيره في طريق الدعوة بمرحلتيها "السرية" و "الجهرية" وبعهديها "المكي" و "المدني". باعتبارها حلقات متصل بعضها ببعض ترسم للدعاة المنهج الدعوى في كل حالاته، وتوضح للدعاة المواقف التي قد تعترض طريق الدعوة بكافة جوانبها، وهي تعد بجملتها سبيل النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة إلى الله التي تستند إلى البصيرة.
هذا السبيل الدعوي لا يجري في مضمار الناسخ والمنسوخ بل كان مرحلة تنزل منزلتها التي تناسبها حينما تتطابق الظروف وتتشابه الأحوال.
قال شيخ الإسلام:"من كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف، فليعمل بآية الصبر والصفح والعفو عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين. وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين وبآية قتال الذين أتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون".
وفي ضوء ذلك يمكن أن نتساءل: أليس من الممكن أن يحتاج المسلمون في بعض الظروف والبيئات إلى أحكام مرحلة الاستخفاء التي استوعبها