للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالإيمان، قال: فإن عادوا فعد (١)» فنزلت الآية. والآية دالة على جواز إظهار غير ما يبطن من دون قصده عند الضرورة، ومسوغ ذلك خوف الضرر على النفس أو ما يتصل بذلك.

ومن ناحية أخرى الآية وإن اختص مضمونها بمسألة الكفر والإيمان إلا أن حكمها جار في غيرها بطريق الأولى، فإذا جاز الاستسرار في هذه المسألة المهمة جاز في غيرها.

وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على مشروعية الاستسرار في العبادة في أحوال خاصة، «فعن حذيفة قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أحصوا لي كم يلفظ الإسلام؟ قال: فقلنا: يا رسول الله أتخاف علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة؟ قال: إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا.

قال: فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرا (٢)».

قال النووي رحمه الله: وأما قوله «ابتلينا فجعل الرجل لا يصلي إلا سرا (٣)» فلعله كان في بعض الفتن التي جرت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان بعضهم


(١) قال ابن حجر: وهو مرسل ورجاله ثقات وأخرجه عبد بن حميد من طريق ابن سيرين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقي عمار بن ياسر وهو يبكي فجعل يمسح الدموع عنه، ويقول: أخذك المشركون فغطوك في الماء حتى قلت لهم كذا، إن عادوا فعد" ورجاله ثقات مع إرساله أيضا، وهذه المراسيل تقوى بعضها ببعض. فتح الباري ١٢/ ٣١٢.
(٢) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب: الإيمان، باب: الاستسرار بالإيمان للخائف.
(٣) البخاري الجهاد والسير (٢٨٩٥)، مسلم الإيمان (١٤٩)، ابن ماجه الفتن (٤٠٢٩)، أحمد (٥/ ٣٨٤).