للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو جعفر بن جرير الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية من سورة المائدة يعني بالنور محمدا صلى الله عليه وسلم الذي أنار الله به الحق وأظهر به الإسلام ومحق به الشرك، فهو نور لمن استنار به يبين الحق، ومن إنارته الحق تبيينه لليهود كثيرا مما كانوا يخفون من الكتاب (١) لكن لا يلزم من هذا الوصف أن يصرف له شيء من حق الله، فلا يدعى مع الله ولا يعظم كتعظيم الله ولا يوصف بشيء من خصائص الله، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مرين، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله (٢)» ولما «قال له رجل: ما شاء الله وشئت. قال: أجعلتني لله ندا، قل ما شاء الله وحده (٣)» وقال «ولا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا ما شاء الله ثم محمد (٤)» وذلك لأن الواو تقتضي المساواة بين المشيئتين مع أن مشيئة المخلوق لا تحصل إلا بعد مشيئة الله كما قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (٥) ثم إنه صلى الله عليه وسلم هو أفضل الخلق وسيد ولد آدم، ومع ذلك لما «قال له وفد بني عامر: أنت سيدنا قال: السيد الله قالوا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا. قال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله - وفي لفظ - عبد الله ورسوله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزل الله (٦)» فهكذا كان يؤدب أمته سيما ضعفاء الإيمان أو حدثاء الإسلام، مخافة أن يقعوا في الغلو الذي يحبط الأعمال، فنحن نعتقد أنه صلى الله عليه وسلم هو النور والسراج المنير، وهو أفضل الرسل وخاتم الأنبياء وسيد الخلق، والشفيع المشفع في يوم القيامة وهو صاحب لواء الحمد وله المقام المحمود والحوض المورود، ولكن حقه على أمته أن يؤمنوا ويصدقوا بأنه مرسل من ربه وأنه قد أنزل عليه الوحي، وهو هذا القرآن الكريم والسنة المطهرة، وقد


(١) تفسير الطبري ١٠/ ١٤٣.
(٢) رواه البخاري ٢٤٤٥ عن عمر رضي الله عنه.
(٣) رواه أحمد ٤/ ٢١٤ عن ابن عباس رضي الله عنه.
(٤) رواه أحمد ٥/ ٧٢ عن الطفيل أخي عائشة لأمها.
(٥) سورة الإنسان الآية ٣٠
(٦) رواه أحمد ٤/ ٢٤ عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه.