للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التي ينسب إليها أهل الصفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانت في مؤخر المسجد النبوي في شمالي المسجد بالمدينة النبوية، كان يأوي إليها من فقراء المسلمين من ليس له أهل ولا مكان يأوي إليه حيث يكثر المهاجرون إلى المدينة من الفقراء والأغنياء والآهلين والعزاب، فكان من لم يتيسر له مكان يأوي إليه يأوي إلى تلك الصفة التي في المسجد، ولم يكن جميع أهل الصفة يجتمعون في وقت واحد، بل منهم من يتأهل أو ينتقل إلى مكان آخر يتيسر له، ويجيء ناس بعد ناس فكانوا تارة يقلون وتارة يكثرون، فتارة يكونون عشرة أو أقل، وتارة يكونون عشرين وثلاثين وأكثر، وتارة يكونون ستين وسبعين. . . الخ. فعلم من هذا أن أهل الصفة هم فقراء المهاجرين. ولكن ليسوا قدوة لأهل التصوف ولا لغيرهم، وليسوا أفضل من أكابر الصحابة من المهاجرين الذين لم يأووا إلى تلك الصفة ومن الأنصار الذين هم أهل المدينة، والله تعالى مدح الصحابة والسابقين الأولين عموما ولم يخص أهل الصفة بمدح ولا ثناء يتميزون به عن غيرهم، ولا شك أن جميع الصحابة عبدوا الله محبة له وشوقا لرؤيته وطلبا لثوابه. وأهل الصفة من جملتهم فلا مبرر لتخصيص أهل الصفة بأنهم عبدوه محبة فيه وشوقا لرؤيته ما دام هذا الوصف يدخل فيه معهم غيرهم.

فأما قول هذا الكاتب: وإمام الجميع المعصوم صلى الله عليه وسلم بتوجيه من الله عز وجل، كان في غار حراء فوجد في الخلوة الجلوة الخ. فنقول: صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم إمام جميع أمة الإجابة الذين صدقوه وشهدوا له بالرسالة، ولكنه لم يشرع لأمته هذه الشطحات، ولا نقلت عنه تلك المواجيد والأذواق المزعومة، فأما خلوته في غار حراء فذلك تمهيد من الله لنزول الوحي عليه، ففي تلك الخلوة تصفية لسريرته وتفريغ لقلبه عن الشواغل وإبعاد عن المجتمع المليء بالشرك والمعاصي والمخالفات. لكنه بعد أن نزل عليه الوحي لم يرجع إلى غار حراء وما حفظ أنه بعد النبوة صعد ذلك الجبل ولا حاول الخلوة والتفرد ولا انقطع عن الناس، بل لم يزل مع الناس ثلاث عشرة سنة بمكة يدعو إلى توحيد الله ويخالط الناس ويجالسهم، ويعاشر أهله ويعلم أتباعه ما أوحي إليه ويبلغ الناس رسالة ربه، وهكذا بعد أن هاجر إلى المدينة استمر في الدعوة والتعليم، وكان يجلس مجالس عامة يقرأ فيها القرآن ويبين معانيه ويتلقى