للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من غير سبب لآدمي فيه وقد يكون ميتة لسبب فعل آدمي إذا لم يكن فعله فيه على وجه الذكاة المبيحة (١) وقد حرم الله الميتة في آيات كثيرة من كتابه منها قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} (٢) وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} (٣) وقوله تعالى: {لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} (٤) الآية وقد أجمع العلماء على تحريم الميتة في حال الاختيار (٥).

والحكمة من تحريمها: أنها تكون في الغالب ضارة؛ لأنها لا بد أن تكون ماتت بمرض أو ضعف أو نسمة خفية مما يسمى الآن بالميكروب. . . يولد فيها سموما، وقد يعيش ميكروب المرض في جثة الميت زمنا؛ ولأنها مما تعافها الطباع السليمة وتستقذره وتعده خبثا (٦) - وكذلك ما فيها من احتباس الدم والرطوبات التي لا تزول منها إلا بالذكاة الشرعية - فإن قيل: هذا الفرض يتحقق في ذبح الكافر غير الكتابي ونحوه ممن ليس من أهل الذكاة وفي ذبيحة تارك التسمية فلماذا حرمت ذبيحة كل من هؤلاء واعتبرت ميتة؟

فالجواب:

إن العلة لم تنحصر في احتقان الدم بل هناك علل أخرى لتحريم الميتة، ولا يلزم من انتفاء بعضها انتفاء الحكم الأخرى، بل يخلفه علة أخرى - " فإن الله سبحانه حرم علينا الخبائث، والخبث الموجب للتحريم قد يظهر لنا وقد يخفى، فما كان ظاهرا لم ينصب عليه الشارع علامة غير وصفه، وما كان خفيا نصب عليه علامة تدل على خبثه، فاحتقان الدم في الميتة سبب ظاهر، وأما ذبيحة المجوسي والمرتد وتارك التسمية ومن أهل بذبيحة لغير الله فإن ذبح هؤلاء أكسب المذبوح خبثا أوجب تحريمه، ولا


(١) تهذيب الأسماء واللغات للنووي ص١٤٦ ج٢ من القسم الثاني وأحكام القرآن.
(٢) سورة البقرة الآية ١٧٣
(٣) سورة المائدة الآية ٣
(٤) سورة الأنعام الآية ١٤٥
(٥) المغني مع الشرح الكبير ص٧٢ ج١١.
(٦) تفسير المنار ص ١٣٤ ج٦.