للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان المشركون يمتنعون من ذبائح أحلها الله، ويحلون ذبائح حرمها الله، ويزعمون أن هذا هو شرع الله اقتضى الحال أن يفصل في أمر هؤلاء المشترعين المفترين على الله فيقرر أنهم إنما يشرعون بأهوائهم ويضلون الناس بما يشرعونه لهم من عند أنفسهم ويعتدون على ألوهية الله وحاكميته بمزاولتهم لخصائص الألوهية وهم عبيد {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} (١) ويأمرهم بأن يتركوا الإثم كله ظاهره وخفيه - ومنه الذي يزاولونه من إضلال الناس بالهوى وبغير علم، وحملهم على شرائع ليست من عند الله افتراء على الله أنها شريعة، ويحذرهم مغبة هذا الإثم الذي يقترفونه: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ} (٢) ثم ينهى عن الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه من الذبائح التي كانوا يذكرون عليها أسماء آلهتهم، أو ينحرونها للميسر ويستقسمونها بالأزلام، أو من الميتة التي كانوا يجادلون المسلمين في تحريمها - يزعمون أن الله ذبحها - فكيف يأكل المسلمون مما ذبحوا بأيديهم ولا يأكلون مما ذبح الله، وهو تصور من تصورات الجاهلية التي لا حد لسخفها وتهافتها في جميع الجاهليات. وهذا ما كانت الشياطين من الإنس والجن توسوس به إلى أوليائها ليجادلوا المسلمين فيه من أمر هذه الذبائح مما تشير إليه الآيات: {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (٣).

فالمشركون (يضلون بأهوائهم) فيقولون ما ذبح الله بسكينه (يعنون الميتة) خير مما ذبحتم بسكاكينكم (يعنون المذكاة) وفي ضمن ذلك أنهم يحلون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله، وهذا قلب للحقائق، فهم يقولون هذا (بغير علم) أي بغير علم يعلمونه في أمر الذبح؛ إذ من الحكمة فيه كما سبق: إخراج ما حرم الله علينا من الدم بخلاف الميتة، ولذلك شرع الله الذكاة في محل مخصوص ليكون الذبح فيه سببا لجذب كل دم في الحيوان بخلاف غيره من الأعضاء.

واستمرارا مع تشريعهم في إباحة الميتة كانوا يستبيحون ميتة الأجنة في بطون


(١) سورة الأنعام الآية ١١٩
(٢) سورة الأنعام الآية ١٢٠
(٣) سورة الأنعام الآية ١٢١