لأن الاجتهاد لا بد له من أدوات عامة تشترط لكل المسائل، كما يشترط فقه النفس، فيبعد أن يحصل له ذلك ثم لا يجتهد إلا في مسألة واحدة.
والقول الآخر في المسألة المنع من التجزؤ، لأنه لا بد للمجتهد أن يكون محيطا بكافة مسائل الدين، وهذا القول قد يقرب من المحال من حيث تعسر هذا الشرط وصعوبة تحصيله، بالإضافة إلى أن واقع علماء الإسلام منذ ظهر إلى الآن يشهد للقول الأول، فهذا مالك بن أنس وغيره من علماء الإسلام يسألون عن عدد من المسائل فيقولون في بعضها: لا ندري، قال ابن فرحون في الديباج المذهب (١) قال الهيثم ابن جبيل: شهدت مالكا سئل عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في اثنتين وثلاثين: لا أدري. ولا يمكن أن يقال إن مالكا لم يبلغ رتبة الاجتهاد.
وغرضنا من إيراد هذه النقطة: التنبيه إلى أن اختلاف الآراء فيها من أسباب الاختلاف في مسألة الاجتهاد والتمذهب، فمن منع الاجتهاد وألزم الناس بالتمذهب فقد فعل هذا بناء على أن المجتهد هو المطلق وهذا - في أحد أقوال العلماء - قد انقطع منذ قرون.
ومن أجاز الاجتهاد فبناه على جواز حصوله في بعض
(١) الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب (١/ ١١٢).