للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المخالطة، ومنه قولهم خامره داء إذا خالط جوفه، وأنشد كثير عزة:

هنيئا مريئا غير داء مخامر

: أي مخالط

وقيل لأنها خامرت العقل، أي لابسته فكتمته: (أي غطته) وكل مكموم مخمور. قال الراغب في مفردات القرآن سمي الخمر لكونه خامرا للعقل أي ساترا ومنه الحديث «خمروا آنيتكم (١)» ومنه خمار المرأة لأنه يغطي رأسها. وهذا القول أخص من الذي قبله لأنه لا يلزم من المخالطة التغطية. وتكون على هذا القول والذي قبله مصدرا أريد به اسم الفاعل.

وقيل لأنها خمرت بالظروف وغطيت حتى وصلت لدرجة الغليان. ومنه حديث المختار بن فلفل: قلت لأنس: الخمر من العنب أو من غيرها؟ قال ما خمرت من ذلك فهو الخمر وتكون على هذا مصدرا أريد به اسم المفعول.

ولا مانع من صحة هذه الأقوال كلها لثبوتها عن أهل اللغة وأهل المعرفة باللسان ولاشتمال الخمر على الصفات المذكورة، ولذا قال ابن عبد البر: لأوجه كلها موجودة في الخمر لأنها تركت حتى أدركت وسكنت، فإذا شربت خالطت العقل حتى تغلب عليه وتغطيه.

وللخمر أسماء كثيرة ذكر منها ابن سيده في المخصص ما يزيد على عشرين اسما وأشهرها الصهباء والشمول والخندريس والراح والرحيق وغير ذلك. . .

أجمع أهل اللغة على أن الخمر يطلق على النيء من ماء العنب المشتد إطلاقا حقيقيا، واختلفوا في إطلاقه على غيره بالنسبة لكون الإطلاق من قبيل الحقيقة أو المجاز؟.

فذهب الكثير منهم إلى أن كل شيء يستر العقل ويغطيه من الأشربة المسكرة يسمى خمرا حقيقة، سواء أكان متخذا من ثمرات النخيل والأعناب أو من غيرها، وسواء كان نيئا أو مطبوخا لأنها سميت بذلك لمخامرتها للعقل وسترها له، وممن قال بذلك من أئمة اللغة الجوهري وأبو نصر القشيري والدينوري وصاحب القاموس، - قال في القاموس تحت مادة الخمر: الخمر ما أسكر من عصير العنب وعاتم كالخمرة وقد يذكر والعموم أصح لأنها حرمت وما بالمدينة خمر عنب، وما كان شرابهم إلا البر والتمر.


(١) صحيح البخاري بدء الخلق (٣٢٨٠)، سنن الترمذي الأطعمة (١٨١٢)، سنن أبو داود الأشربة (٣٧٣١)، سنن ابن ماجه الأشربة (٣٤١٠)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٣٩٥)، موطأ مالك الجامع (١٧٢٧).