فإن الإنسان - وهو من أكرم المخلوقات على الله - يأتي للحياة لغاية محددة وهدف معلوم، وله رسالة واضحة، وهو يولد بين أبوين في ظل أسرة ومحيط جماعة، وهو مفطور على حب الاجتماع والعيش مع لداته وأترابه وأقربائه وجيرانه، وهو في هذا الاجتماع له حاجات ومطالب، وعليه واجبات وله حقوق، وتتطلب الحياة في أخذها وعطائها تفاعل الأفراد مع المجتمع، وقيام أواصر المحبة والأخوة، ومد جسور التعامل على كل المستويات. وتنمو هذه المعاني مع امتداد حياة الإنسان، وتتوثق الصلات أو تسوء حسب ظروف العيش ومستوى التعامل، ولهذا يقول علماء الاجتماع: إن الإنسان اجتماعي بطبعه، أي أنه مفطور على العيش في ظل جماعة وفي كنف أمة لا يستغنى عن غيره، والآخرون في حاجة إليه، ولا تتصور حياة سوية مستقيمة ومستقرة إلا على هذا النحو وفي ذلك الإطار، والإنسان في اجتماعه مع غيره وتعامله في حياته فتنشأ له صلات وعلاقات قد تسودها محبة الإخاء والتعاون، وقد يتعورها الخلل والاختلاف والتخاصم، وتختلف روابط الأفراد في المجتمعات في كل فترة، قوة وضعفا ووئاما أو اختلافا وتعاونا أو تصادما تبعا للثقافة التي ينتمي إليها الفرد وتلتقي عليها الجماعة ومدى سلطان هذه الثقافة على النفوس، والاختلاف والتخاصم والنزاع تكاد تكون من لوازم الاجتماع، ولكن التفاوت إنما يكون في درجة الاختلاف.