للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسعدوا بالحياة الحرة الكريمة في كنفها، فجعل الله لهم بها عز الدنيا وسعادة الآخرة، فقامت عليها دولة فريدة في التاريخ، وأمة عزيزة الجانب رحيمة في التعامل رشيدة في المنهج، تستضيء بنور الله وتسير على هديه وتطلب مرضاته، فأعطاها الله عز الدنيا وسعادة الآخرة وذكرا حسنا في الآخرين، وامتدت حدود هذه الدولة الراشدة حتى شملت ثلاثة أرباع المعمورة، وتفيأ الناس ظلالها أمنا ورخاء وسعادة ورفاهية ونظافة في الظاهر والباطن.

ولم تقصر هذه الشريعة في إقامة الحياة في كل جانب من جوانبها ومرفق من مرافق هذه الدولة الممتدة على معظم أجزاء الأرض على العدل والاستقامة والتراحم وتنظيمها لشئون هذا المجتمع الممتد على مقتضى أصول هذه الشريعة وقواعدها، وتحديد حقوق الأفراد وواجباتهم فيها، ولم تضق نصوص هذه الشريعة عن الوفاء بمتطلبات هذا المجتمع الكبير الذي تكون من أجناس متعددة وكان على ثقافات مختلفة في أي شأن من شئون الحياة، بل إن هذه الشرعة قد نظمت كل جوانب الحياة بما يحقق الرخاء والعدل والسعادة لكل فرد في المجتمع، ونظمت العلاقات بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ، وكانت أوربا وغيرها يعيشون في ظلال دامس وجهل مطبق وتخلف مريع.

ثم إن هذه الدول الإسلامية قامت ما شاء الله لها أن تقوم، وأمن الناس في ظلها وسعدوا بالحياة فيها، حتى دب الوهن إلى القائمين عليها شيئا فشيئا، وبدأ التفلت من أحكام هذا الدين والخروج على نصوصه خطوة خطوة، حتى وصل الأمر إلى غربة هذا الدين بين أهله، وتقلص ظل خلافته وهجران منهجه، وتم عزله عن الحياة في معظم ديار الإسلام إلا في مجالات محددة في نطاق الأحوال الشخصية وروابط الأسرة وبعض المعاملات، ولكن الأمة الإسلامية في مختلف أطوار حياتها ظلت تحن إلى هذا الدين وتتطلع إلى عودته إلى قيادة الحياة وإعادة تنظيم الحياة، في ظل نظامه وفق نصوصه واستعادة مكانتها الريادية في العلم، ولكن الطريق طويل والعقبات كثيرة والمثبطات متعددة، ولن يخلى بين هذه الأمة ودينها إلا بعد جهاد صادق وتضحيات كبيرة وعمل دائب مخلص، لكن على الرغم من هذا كله فإن المستقبل