للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انقطاعهم في قوله: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} (١)، وقوله تعالى: {يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} (٢)، أي: لا يقطعهم عن عبادة الله فتور وتعب وكسل ووهن، ولا يقطعهم سأم وملل، فنفى عنهم الانقطاع بنوعيه الحسي والمعنوي، فإن الواحد منا قد يكون مقبلا على العبادة راغبا فيها لكن يقطعه عنها مع رغبته فيها تعب جسده ووهنه، وقد يكون نشيطا موفور القوة لكنه سئم وملل، أما هؤلاء فلا فتور ولا سأم، وهم الملائكة عليهم السلام. فجميع هؤلاء المخلوقات المذكورات قائمة على توحيد الله مؤدية له مسخرة له ومعصومة من مخالفته، جمعها على توحيده سبحانه وإن فرق أجناسها وأنواعها وخصائصها.

بقي النوع الثاني من المكلفين، وهم النوع الذي تمكن منه المعصية فليس هو معصوما عن أن يخرج عن الواجب عليه من توحيد الله، فقد تجتاله الصوارف فيفسق عن التوحيد، وهؤلاء هم الجن والإنس، وهؤلاء أعلن الله في كتابه أنه إنما خلقهم لعبادته لم يخلقهم لغير ذلك، فقال قولا بينا فصلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (٣) خصهم بالذكر هنا لأنه أراد العبادة منهم شرعا، وشاء أن يكون فيهم من يعصي فلا يعبد، لا كهيئة بقية المخلوقات التي لم يشأ إمكان المعصية منها؛ إما خلقها عابدة له مسخرة


(١) سورة الأنبياء الآية ٢٠
(٢) سورة فصلت الآية ٣٨
(٣) سورة الذاريات الآية ٥٦