للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللطيف في أمره الحكيم في حكمه، القادر على خلقه، العليم في تدبيره، الرحيم بعباده، وهو مالك الدنيا والآخرة، ولا يفوته أحد من خلقه، ولا يغيب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. ولهذا فإن شريعة الله توصف بالكمال والشمول والرحمة والعدل على أتم صورة والخلق مطالبون بالأخذ بهذه الشريعة كجزء من العقيدة وشرط للإيمان، وبها يتحقق لهم الخير في الدنيا والسعادة في الآخرة والأمن يوم الفزع الأكبر، وهي في ذات الوقت ذات سلطان على النفوس وهيبة في القلوب واحترام في الحياة، لا يماثلها قانون أو نظام ولا يشابهها في ذلك شيء من جهود البشر.

ثم إن الإيمان بهذه الشريعة وتحكيمها في أمور الحياة وما يحصل من شجار في المجتمع والرضاء والتسليم بحكم هذه الشريعة شرط من شروط الإيمان ومقتضيات الطاعة، قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (١) وليس هذا لأي نظام وضعي في الوجود.

وترك هذه الشريعة مع القدرة باب من أبواب الكفر ومدخل من مداخل الشيطان، والاحتكام إلى غير شرع الله مزلة عظيمة وجريمة كبيرة، إذ هي تفضيل لحكم الجاهلية على حكم الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (٢) كما أنها محادة لله ولرسوله ومنازعة له في ملكه وأخص خصائص الألوهية، ولكن الله لطيف بعباده حليم على خلقه يمهل للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته قال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} (٣).


(١) سورة النساء الآية ٦٥
(٢) سورة المائدة الآية ٥٠
(٣) سورة إبراهيم الآية ٤٢