للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ظنه أن تغييره بيده يسبب أشد منه من قتله أو قتل غيره بسببه، كف يده، واقتصر على القول باللسان والوعظ والتخويف، فإن خاف أن يسبب قوله مثل (ما تسببه يده) فبقلبه وكان في سعة، وهذا هو المراد بالحديث إن شاء الله تعالى، وإن وجد من يستعين به على ذلك استعان، ما لم يؤد ذلك إلى إظهار سلاح وحرب، وليرفع ذلك إلى من له الأمر إن كان المنكر من غيره أو يقتصر على تغييره بقلبه. هذا هو فقه المسألة، وصواب العمل فيها عند العلماء والمحققين، خلافا لمن رأى الإنكار بالتصريح بكل حال وإن قتل ونيل منه كل أذى.

هذا آخر كلام القاضي رحمه الله. قال إمام الحرمين رحمه الله: ويسوغ لآحاد الرعية أن يصد مرتكب الكبيرة إن لم يندفع عنها بقوله ما لم ينته الأمر إلى نصب قتال وشهر سلاح) (١) وإلى ذلك ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بقوله: (ترك الإنكار باليد أو بالسلاح إذا كان فيه مفسدة راجحة على مفسدة المنكر) (٢)

فالواجب على العبد (أن يفرق بين ما يفعل الإنسان ويأمر به ويبيحه وبين ما يسكت عن نهي غيره عنه وتحريمه عليه، فإذا كان من المحرمات ما لو نهى عنه حصل ما هو أشد تحريما منه لم ينه عنه ولم يبحه أيضا؛ ولهذا لا يجوز إنكار المنكر بما هو أنكر منه، ولهذا حرم الخروج على ولاة الأمر بالسيف لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن ما يحصل بذلك


(١) شرح النووي على صحيح مسلم: ١/ ٢٥.
(٢) مجموع الفتاوى ابن تيمية: ٣٥/ ٣٢.