للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقول الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحد عبد الله بن أبي، وحد الباقين - وهذا هو المشهور عند أهل العلم، وهو الراجح، لقول عائشة رضي الله عنها: «لما نزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك وتلا القرآن، فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم (١)». ووقع عند أبي داود تسميتهم: حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش. (٢)

وقد ذكر أصحاب هذا القول أعذارا في تركه صلى الله عليه وسلم إقامة الحد على ابن أبي، مع أنه كان رأس أهل الإفك؛ فقيل: لأن الحدود تخفيف عن أهلها وكفارة، وهو منافق خبيث ليس أهلا لذلك، وقد وعده الله بالعذاب العظيم في الآخرة فيكفيه ذلك عن الحد. وقيل: بل كان يستوشي الحديث ويجمعه ويحكيه ويخرجه في قوالب من لا ينسب إليه. وقيل: الحد لا يثبت إلا بالإقرار أو ببينة، وهو لم يقر بالقذف ولا شهد به عليه أحد، فإنه إنما كان يذكره بين أصحابه ولم يشهدوا عليه، ولم يكن يذكره بين المؤمنين. وقيل: حد القذف حق لآدمي لا يستوفى إلا بمطالبته، وعائشة لم تطالب به ابن أبي. وقيل: بل ترك حده لمصلحة هي أعظم من إقامته، كما ترك قتله مع ظهور نفاقه وتكلمه بما يوجب قتله مرارا، وهي تأليف قومه وعدم تنفيرهم عن الإسلام؛ فإنه


(١) أخرجه أبو داود ٤/ ١٦٢ ح ٤٤٧٤، والترمذي ٥/ ٣٣٦ ح ٣١٨١، وابن ماجه ٢/ ٨٥٧ ح ٢٥٦٧، والإمام أحمد ٦/ ٣٥ ح ٢٤١١٢.
(٢) انظر: سنن أبي داود ٤/ ١٦٢ ح ٤٤٧٥.