للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المفسدة أولى من جلب المصلحة، لندبه أولا إلى ترك الجلوس مع ما فيه من الأجر لمن عمل بحق الطريق، وذلك أن الاحتياط لطلب السلامة آكد من الطمع في الزيادة» (١)

وما ذكره الحافظ – رحمه الله – ظاهر وقد بين وجه الدلالة من الحديث للقاعدة، وقد بسط غير واحد من الأئمة هذا الاستنباط من الحديث، قال الطبري (ت: ٣٢١ هـ): «فيه الدلالة على الندب إلى لزوم المنازل التى يسلم لازمها من رؤية ما يكره رؤيته، وسماع ما لا يحل له سماعه، مما يجب عليه إنكاره، ومن معاونة مستغيث يلزمه إعانته، وذلك أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما أذن فى الجلوس بالأفنية والطرق بعد نهيه عنه، إذا كان من يقوم بالمعاني التى ذكرها عليه السلام» (٢)

وقال القرطبي: «وهذا الحديث إنكار للجلوس على الطرقات، وزجر عنه، لكن محمله على ما إذا لم ترهق إلى ذلك حاجة كما قالوا: ما لنا من ذلك بد نتحدث فيها، لكن العلماء فهموا أن ذلك المنع ليس على جهة التحريم، وإنما هو من باب سد الذرائع، والإرشاد إلى الأصلح، ولذلك قالوا: إنما قعدنا لغير ما بأس، قعدنا نتذاكر ونتحدث، أي: نتذاكر العلم والدين، ونتحدث بالمصالح والخير، ولما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم ذلك، وتحقق


(١) فتح الباري (٥/ ١١٣).
(٢) ينظر: شرح ابن بطال (٦/ ٥٨٩ - ٥٩٠).