للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من استدل به على جواز دفع أغلظ الضررين بأخفهما، والإغضاء على بعض المنكرات مخافة أن يتولد منه ما هو أشد، وإفساد بعض المال لإصلاح معظمه كخصاء البهيمة للسمن وقطع أذنها لتتميز، ومن هذا مصالحة ولي اليتيم السلطان على بعض مال اليتيم خشية ذهابه بجميعه فصحيح، لكن فيما لا يعارض منصوص الشرع، فلا يسوغ الإقدام على قتل النفس ممن يتوقع منه أن يقتل أنفسا كثيرة قبل أن يتعاطى شيئا من ذلك، وإنما فعل الخضر ذلك لاطلاع الله تعالى عليه» (١)

ووجه ما ذكره الحافظ ظاهر وهو أن الخضر عليه السلام خرق السفينة، وهذه مفسدة لكنه قصد بذلك دفع مفسدة أكبر وهي خوف ذهاب السفينة كلها، حيث يوجد ملك في طريقهم يستولي على السفن غصبا كما قال سبحانه وتعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} (٢)، وفي رواية عند البخاري: «وقرأ ابن عباس أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا (٣)» فيكون تصرف الخضر حكيما حيث ارتكب أخف الضررين، وهو إفساد جزء من السفينة لدفع أعظم الضررين، وهو أخذ السفينة من قبل الملك الذي وراءهم، ويقال هذا أيضا في قتل الغلام، فقتله مفسدة، ولكن الخضر


(١) فتح الباري (٨/ ٤٢٢).
(٢) سورة الكهف الآية ٧٩
(٣) أخرجه البخاري ح (٣٤٠١).