للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حمله عليه ترجيح جانب النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى عنده من القلق والغم بسبب القول الذي قيل، وكان - صلى الله عليه وسلم - شديد الغيرة، فرأى علي أنه إذا فارقها سكن ما عنده من القلق بسببها إلى أن يتحقق براءتها فيمكن رجعتها، ويستفاد منه ارتكاب أخف الضررين لذهاب أشدهما» (١)

ووجه ما ذكره الحافظ - رحمه الله - ظاهر، وهو أن عليا - رضي الله عنه - أشار على النبي - صلى الله عليه وسلم - بأخف الضررين حسب اجتهاده ورأيه، وهو أن يفارق عائشة - رضي الله عنها - وذلك من أجل أن يدفع ما حل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من الغم والقلق بسبب القول الذي قيل فيها، ولكن علي - رضي الله عنه - لم يجزم بذلك.

قال أبو محمد بن أبي جمرة (٦٩٥ هـ): «لم يجزم علي بالإشارة بفراقها؛ لأنه عقب ذلك بقوله: «وسل الجارية تصدقك» ففوض الأمر في ذلك إلى نظر النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه قال: إن أردت تعجيل الراحة ففارقها، وإن أردت خلاف ذلك فابحث عن حقيقة الأمر إلى أن تطلع على براءتها، لأنه كان يتحقق أن بريرة لا تخبره إلا بما علمته، وهي لم تعلم من عائشة إلا البراءة المحضة» (٢)

وقال النووي: «رأى علي أن ذلك هو المصلحة في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - واعتقد ذلك لما رأى من انزعاجه، فبذل جهده في النصيحة، لإرادة


(١) فتح الباري (٨/ ٤٦٨).
(٢) ينظر: فتح الباري (٨/ ٤٦٨).