للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحالة الأولى: أن يكون الربا له في ذمم الناس لم يقبضه بعد، ففي هذه الحالة قد أرشده الله تعالى إلى أن يسترجع رأس ماله، ويترك ما زاد عليه من الربا فلا يستوفيه ممن هو في ذمته، قال الله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} (١) قال الإمام القرطبي رحمه الله: روى أبو داود (٢) عن سليمان بن عمر عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: «ألا أن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (٣)»، فردهم تعالى مع التوبة إلى رءوس أموالهم وقال لهم: لا تظلمون في أخذ الربا، ولا تظلمون في مطل؛ لأن مطل الغني ظلم، فالمعنى: أنه يكون القضاء مع وضع الربا إلى أن قال: قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (٤) تأكيد لإبطال ما لم يقبض منه وأخذ رأس المال الذي لا ربا فيه (٥)، وقال الإمام ابن القيم: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (٦) يعني إن تركتم الربا وتبتم إلى الله منه وقد عاقدتم عليه فإنما لكم رءوس أموالكم لا تزادون عليها فتظلمون الآخذ، ولا تنقصون منها فيظلمكم من أخذها، فإن كان هذا القابض معسرا فالواجب إنظاره إلى ميسرة، وإن تصدقتم عليه وأبرأتموه فهو أفضل لكم وخير لكم (٧)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض كلامه على أن التراضي بين الطرفين على فعل محرم لا يبيحه قال: وهذا مثل الربا فإنه وإن رضي به المرابي وهو بالغ رشيد لم يبح ذلك لما فيه من ظلمه، ولهذا له أن يطالبه بما قبض منه من الزيادة ولا يعطيه إلا رأس ماله وإن كان قد بذله باختياره (٨)، وقال أيضا: وهذا المرابي لا يستحق في ذمم الناس إلا ما أعطاهم أو نظيره، فأما الزيادات فلا يستحق شيئا منها، لكن ما قبضه قبل ذلك بتأويل يعفى عنه، وأما ما بقي له في الذمم فهو ساقط لقوله تعالى: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} (٩)، والله أعلم (١٠).

الحالة الثانية: أن يكون التائب من الربا قد قبضه وتجمعت عنده أموال منه والفتوى


(١) سورة البقرة الآية ٢٧٩
(٢) سنن أبي داود.
(٣) سنن الترمذي كتاب تفسير القرآن (٣٠٨٧)، سنن أبو داود البيوع (٣٣٣٤)، سنن ابن ماجه المناسك (٣٠٥٥).
(٤) سورة البقرة الآية ٢٧٩
(٥) تفسير القرطبي (٣/ ٣٦٥).
(٦) سورة البقرة الآية ٢٧٩
(٧) التفسير القيم لابن القيم (١٧٢ - ١٧٣).
(٨) مجموع الفتاوى ١٥١/ ١٢٦.
(٩) سورة البقرة الآية ٢٧٨
(١٠) مجموع الفتاوى (٢٩/ ٤٣٧).