للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انتهى (١)، وحاصل هذه القاعدة أن الشيخ يفرق بين من قبض مالا بعقد فاسد يعتقد صحته كالكافر الذي كان يتعامل بالربا قبل إسلامه أو تحاكمه إلينا، وكالمسلم إذا عقد عقدا مختلفا فيه بين العلماء وهو يرى صحته، فهذا النوع من المتعاقدين يملك ما قبضه.

أما من تعامل بعقد مختلف في تحريمه وهو لا يرى صحته أو بعقد مجمع على تحريمه، فما قبضه بموجب ذلك العقد فهو فيه كالغاصب حيث قبض ما يعلم أنه لا يملكه، ويقرب مما ذكره الشيخ ما قاله ابن القيم في كسب الزانية حيث قال: فإن قيل: ما تقولون في كسب الزانية إذا قبضته ثم تابت، هل يجب عليها رد ما قبضته إلى أربابه أم يطيب لها أم تتصدق به؟ قيل: هذا ينبني على قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهي أن من قبض ما ليس له قبضه شرعا ثم أراد التخلص منه، فإن كان المقبوض قد أخذ بغير رضى صاحبه ولا استوفى عوضه رده عليه، فإن تعذر رده عليه قضى به دينا يعلمه عليه، فإن تعذر ذلك رده إلى ورثته، فإن تعذر ذلك تصدق به عنه. . إلى أن قال: وإن كان المقبوض برضى الدافع وقد استوفى عوضه المحرم كمن عاوض عن خمر أو خنزير أو على زنا أو فاحشة فهذا لا يجب رد العوض على الدافع؛ لأنه أخرجه باختياره واستوفى عوضه المحرم، فلا يجوز أن يجمع له بين العوض والمعوض، فإن في ذلك إعانة له على الإثم والعدوان وتيسير أصحاب المعاصي عليه. . إلى أن قال: ولكن لا يطيب للقابض أكله بل هو خبيث. . . فطريق التخلص منه وتمام التوبة بالصدقة به، فإن كان محتاجا إليه فله أن يأخذ قدر حاجته ويتصدق بالباقي فهذا حكم كل كسب خبيث لخبث عوضه عينا كان أو منفعة، ولا يلزم من الحكم بخبثه وجوب رده على الدافع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بخبث كسب الحجام، ولا يجب رده على دافعه (٢). انتهى.

وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (٣): على قول الأصحاب المقبوض بعقد فاسد إنه مضمون على القابض كالمغصوب: أقول واختار الشيخ تقي الدين أن المقبوض بعقد فاسد غير مضمون، وأنه يصح التصرف فيه؛ لأن الله تعالى لم يأمر برد المقبوض بعقد الربا بعد التوبة، وإنما أمر برد الربا الذي لم يقبض، وأنه قبض برضى مالكه فلا يشبه المغصوب، ولأن فيه من التسهيل والترغيب في التوبة ما ليس في القول بتوقيف توبته على


(١) مجموع الفتاوى (٢٩/ ٤١١ - ٤١٢).
(٢) زاد المعاد (٤/ ٧٧٩ / ٧٨٠).
(٣) الفتاوى السعدية ص٣٠٣.