للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما الأول والثاني ففيه قولان إذا تبين له فيما بعد أن ذلك محرم قيل: يرد ما قبض كالغاصب، وقيل: لا يرده وهو أصح إذا كان معتقدا أن ذلك حلال، والكلام فيما إذا كان مختلفا فيه مثل الحيل الربوية، فإذا كان الكافر إذا تاب يغفر الله ما استحله، ويباح له ما قبضه، فالمسلم إذا تاب أولى أن يغفر له.

إذا فمن أخذ بأحد قولي العلماء في حل ذلك فهو في تأويله أعذر من الكافر في تأويله، وأما المسلم الجاهل فهو أبعد، لكن ينبغي أن يكون كذلك فليس هو شرا من الكافر، وقد ذكرنا فيما يتركه من الواجبات التي لم يعرف وجوبها هل عليه قضاء؟ على قولين أظهرهما لا قضاء عليه، إلى أن قال: فمن فعل شيئا لم يعلم أنه محرم ثم علمه لم يعاقب، وإذا عامل بمعاملات ربوية يعتقدها جائزة وقبض منها ثم جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ولا يكون شرا من الكافر، والكافر إذا غفر له ما قبضه لكونه قد تاب فالمسلم بطريق الأولى، والقرآن يدل على هذا بقول: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} (١) وهذا عام في كل من جاءه موعظة من ربه فانتهى، فقد جعل الله له ما سلف - انتهى - لكن هذا الكلام ينصب على الكافر إذا أسلم وعنده أموال قد قبضها بطريق التعامل الربوي، والمسلم الذي تعامل ببعض المعاملات المختلف فيها هل هي من الربا أو لا؟ أو لكونه يجهل الربا وقبض بموجبها ما لا تحصل لديه ثم تبين له أنها من الربا وتاب منها، وتبقى قضية المسلم الذي تعامل بالربا متعمدا وهو يعلم أنه ربا ثم تاب منه وقد تحصل لديه منه مال فهذا موضع الإشكال، ولعل الحل لهذا الإشكال أن يتصدق به ولا يرده للمرابين كما ذكره ابن القيم في الكلام الذي نقلناه عنه في مهر البغي، والله أعلم.


(١) سورة البقرة الآية ٢٧٥