تعالى، فهو اجتهاد لا يمازجه رياء ولا فتوار، ولا يكون فيه قسمة بحال، ولا يصح الدخول في شأن السفر إلى الله والاستعداد للقائه إلا به. فهو بذلك لا يستجيب لأي داعٍ يدعوه إلى نقض عهده، وترك صدقه في كل حال، فهو صادق حقيقة، قد انجذبت قوى روحه كلها إلى إرادة الله وطلبه، والسير إليه، والاستعداد للقائه. ومن تكون هذه حاله لا يحتمل سببًا يدعوه إلى نقض عهده مع الله بوجه من الوجوه، فهو لا يصاحب أهل الغفلة؛ لأنهم قُطّاع طريق القلب إلى الله تعالى، وأضر شيء على الصادق في عمله لربه جل وعلا، وفي عمله مع الناس. فالمؤمن الصادق لا يقعد عن الجد بحال، فهو في جميع أحواله لا يُرَى إلا جادًا، وأمره كله جد، فلا يتمنى الحياة إلا للحق، ولا يشهد من نفسه إلا أثر النقصان، فلا يحب أن يعيش إلا ليشبع من رضى محبوبه، ويقوم بعبوديته، ويستكثر من الأسباب التي تُقَرّبُه إليه، وتدنيه منه، لا لعلة من علل الدنيا، ولا لشهوة من شهواتها، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لولا ثلاث لما أحببت البقاء، لولا أن أحمل على جياد الخيل في سبيل الله، ومكابدة الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما يُنتقَى أطيب التمر. يريد رضي الله عنه الجهاد والصلاة والعلم النافع، وهذه درجات الفضائل، وأهلها هم أهل الزلفى والدرجات العليا. وقال معاذ رضي الله عنه عند موته: اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء لجري