للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمضى الناصر في الكرك قريبا من عام، ثم وثب فدخل دمشق وزحف إلى مصر، فقاتل المظفر بيبرس، وعاد إلى عرشه سنة ٧٠٩ هـ وقتل بيبرس وشرد أنصاره، واستمر في سلطنته الأخيرة هذه اثنتين وثلاثين سنة وخمسة وعشرين يوما إلى أن مات، كان فيها الحاكم الحقيقي، وكانت له فيها سيرة محمودة، واعتنى بالعمران حتى أضحت القاهرة زينة الدنيا، واقتدى الناس به فتباروا في العمران. يقول المقريزي: (وكأنما نودي في الناس ألا يبقى أحد حتى يعمر وذلك أن الناس على دين ملوكهم). وقال الزركلي: (وأحدث من العمران ما ملأ ذكره صفحتين من كتاب المقريزي).

وكان كريما غاية في الكرم، وكان عف اللسان، فلم يضبط عليه أحد أنه أطلق لسانه بكلام فاحش في شدة غضبه ولا انبساطه، كانت عنده غيرة على الدين ورعاية لأحكامه.

قال ابن حجر (١) في (الدرر): كانت وقعة شقحب، وكان للناصر فيها اليد البيضاء من الثبات ووقع النصر للمسلمين.

وقال (٢): كان مطاعا مهيبا عارفا بالأمور يعظم أهل العلم والمناصب الشرعية، ولا يقرر فيها إلا من يكون أهلا لها ويتحرى لذلك ويبحث عنه ويبالغ. وأسقط من مملكته مكس الأقوات، ومكس الأقوات هو الضريبة التي تفرض على الأقوات.

توفي بالقاهرة في ذي الحجة من سنة ٧٤١هـ رحمه الله رحمة واسعة.

وهكذا انتهت هذه المعركة بهزيمة التتار وانتصار المسلمين، وجدير بالذكر أن نشير إلى أن هذه الحملة الثالثة من حملات التتار كانت هي آخر الحملات الكبرى، التي قام بها هؤلاء المتوحشون، ينقضون على بلاد الإسلام الآمنة المطمئنة. ولقد كان هناك حلف واضح بين التتار والنصارى، كشفنا عن بعض جوانبه في الصفحات السابقة، وقد يكون من مقاصد هؤلاء التتار الاستيلاء على الأماكن التي يقدسها النصارى، ثم إعطاؤهم حق الإشراف عليها.

ولكن المسلمين ردوهم على أعقابهم خاسرين، فما حققوا لهم ما يريدون ثم إن


(١) ((الدرر الكامنة)) ٤/ ٢٦١ - ٢٦٥.
(٢) المصدر السابق.