للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستشارة أبي بكر الصديق عبد الرحمن في أخطر أمور الدولة، في تولية خليفته، دليل على ثقته البالغة به، وأنه كان المستشار الأمين له.

ولما تولى الخلافة عمر حج عبد الرحمن معه، فسمع رجلا بمنى يقول لعمر: (لو مات عمر لبايعت فلانا)، فقال عمر: (إني لقائم العشية في الناس، أحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغتصبوا الناس أمرهم)، فقال له عبد الرحمن: (يا أمير المؤمنين: إن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، وهم الذين يغلبون على مجلسك، وأخاف أن تقول مقالة لا يعوها ولا يحفظوها ويطيروا بها، ولكن أمهل حتى تقدم المدينة وتخلص بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقول ما قلت فيعوا مقالتك)، فقال: (والله لأقومن بها أول مقام أقومه بالمدينة) (١). وهكذا انصاع عمر لرأي عبد الرحمن الحصيف.

وحشد الفرس حشودا ضخمة لحرب المسلمين في العراق، فبلغ ذلك المثنى بن حارثة الشيباني، فكتبوا إلى عمر بن الخطاب، فقال: (والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب). فلم يدع رئيسا ولا ذا رأي وذا شرف وبسطة ولا خطيبا ولا شاعرا إلا رماهم به، فرماهم بوجوه الناس وغرارهم (٢).

ولما اجتمع الناس إلى عمر، خرج من المدينة حتى نزل ماء يدعى: (صرارا) فعسكر به ولا يدري الناس ما يريد: أيسير أم يقيم! وكانوا إذا أرادوا أن يسألوه عن شيء، رموه بعثمان أو بعبد الرحمن بن عوف، فإن لم يقدر هذان على علم شيء مما يريد ثلثوا بالعباس بن عبد المطلب. وسأله عثمان عن سبب حركته، فأحضر الناس وأعلمهم الخبر، واستشارهم في المسير إلى العراق، فقال العامة: (سر وسر بنا معك)، فدخل معهم في رأيهم وقال: (اغدوا واستعدوا، فإني سائر، إلا أن يجيء رأي هو أمثل من هذا). ثم جمع عمر وجوه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرسل إلى علي بن أبي طالب، وكان استخلفه على المدينة، فأتاه، وإلى طلحة وكان على المقدمة، فرجع إليه، وإلى الزبير وعبد الرحمن، وكانا على المجنبتين، فحضرا ثم استشارهم، فأجمعوا على أن يبعث رجلا من


(١) ابن الأثير (٢/ ٣٢٦).
(٢) ابن الأثير (٢/ ١٢٢٨).