فلما قدم أبو العاص مكة، أمرها باللحوق بأبيها، فتجهزت، فقدم أخو زوجها كنانة - قلت: وهو ابن خالتها - بعيرا، فركبت، وأخذ قوسه وكنانته نهارا، فخرجوا في طلبها، فبرك كنانة، ونثر كنانته بذي طوى، فروعها هبار بن الأسود بالرمح، فقال كنانة: والله لا يدنو أحد إلا وضعت فيه سهما، فقال أبو سفيان: كف أيها الرجل عنا نبلك حتى نكلمك. فكف، فوقف عليه، فقال: إنك لم تصب، خرجت بالمرأة على رءوس الناس علانية، وقد عرفت مصيبتنا ونكبتنا، وما دخل علينا من محمد، فيظن الناس أن ذلك عن ذل أصابنا، ولعمري ما بنا بحبسها عن أبيها من حاجة، ارجع بها، حتى إذا هدت الأصوات، وتحدث الناس أنا رددناها، فسلها سرا، وألحقها بأبيها. قال: ففعل، وخرج بها بعد ليال، فسلمها إلى زيد وصاحبه، فقدما بها.
فلما كان قبل الفتح، خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام بماله ومال كثير لقريش، فلما رجع لقيته سرية، فأصابوا ما معه، وأعجزهم هربا، فقدموا بما أصابوا، وأقبل هو في الليل حتى دخل على زينب، فاستجار بها فأجارته، فلما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - والناس في صلاة الصبح، صرخت زينب من صفة النساء: أيها الناس، قد أجرت أبا العاص بن الربيع. وبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى السرية الذين أصابوا ماله، فقال: إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالا، فإن تحسنوا وتردوه، فإنا نحب ذلك، وإن أبيتم فهو فيء الله ; فأنتم أحق به. قالوا: بل نرده. فردوه كله.