للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم يقال: ليس الأسلم تفويض الأمر في الصفات إلى علام الغيوب؛ لأنه سبحانه بينها لعباده وأوضحها في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم ولم يبين كيفيتها، فالواجب تفويض علم الكيفية لا علم المعاني، وليس التفويض مذهب السلف، بل هو مذهب مبتدع مخالف لما عليه السلف الصالح. وقد أنكر الإمام أحمد رحمه الله وغيره من أئمة السلف على أهل التفويض وبدعهم؛ لأن مقتضى مذهبهم أن الله سبحانه خاطب عباده بما لا يفهمون معناه ولا يعقلون مراده منه، والله سبحانه وتعالى يتقدس عن ذلك، وأهل السنة والجماعة يعرفون مراده سبحانه بكلامه ويصفونه بمقتضى أسمائه وصفاته وينزهونه عن كل ما لا يليق به عز وجل. وقد علموا من كلامه سبحانه ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم أنه سبحانه موصوف بالكمال المطلق في جميع ما أخبر به عن نفسه، أو أخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنا أذكر بعض النقول المهمة عن السلف الصالح في هذا الباب ليتضح للقارئ صحة ما ذكرنا:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة الفتوى الحموية ما نصه (روى أبو بكر البيهقي في الأسماء والصفات بإسناد صحيح عن الأوزاعي قال: كنا - والتابعون متوافرون - نقول: إن الله - تعالى ذكره - فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من الصفات. فقد حكى الأوزاعي وهو أحد الأئمة الأربعة في عصر تابعي التابعين الذين هم: مالك إمام أهل الحجاز، والأوزاعي إمام أهل الشام، والليث إمام أهل مصر، والثوري إمام أهل العراق، - حكى شهرة القول في زمن التابعين بالإيمان بأن الله تعالى فوق العرش وبصفاته السمعية.

وإنما قال الأوزاعي هذا بعد ظهور مذهب جهم المنكر لكون الله فوق عرشه والنافي لصفاته ليعرف الناس أن مذهب السلف كان يخالف هذا.

وروى أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن الأوزاعي قال: سئل مكحول والزهري عن تفسير الأحاديث فقالا: أمروها كما جاءت، وروى أيضا عن الوليد بن مسلم قال: سألت مالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد والأوزاعي عن الأخبار التي جاءت في الصفات فقالوا: أمروها كما جاءت. وفي رواية قالوا: أمروها كما جاءت بلا