للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: فقد وفى -رحمه الله- بذلك بحسب اجتهاده، وبين ما ضعفه شديد، ووهنه غير محتمل، وكاسر عن ما ضعفه خفيف محتمل، فلا يلزم من سكوته -والحالة هذه- عن الحديث أن يكون حسنا عنده، ولا سيما إذا حكمنا على حد الحسن باصطلاحنا المولد الحادث، الذي هو في عرف السلف يعود إلى قسم من أقسام الصحيح، الذي يجب العمل به عند جمهور العلماء، أو الذي يرغب عنه أبو عبد الله البخاري، ويمشيه مسلم، وبالعكس، فهو داخل في أداني مراتب الصحة، فإنه لو انحط عن ذلك لخرج عن الاحتجاج، ولبقي متجاذبا بين الضعف والحسن، فكتاب أبي داود أعلى ما فيه من الثابت ما أخرجه الشيخان، وذلك نحو من شطر الكتاب، ثم يليه ما أخرجه أحد الشيخين، ورغب عنه الآخر، ثم يليه ما رغبا عنه، وكان إسناده جيدا، سالما من علة وشذوذ، ثم يليه ما كان إسناده صالحا، وقبله العلماء لمجيئه من وجهين لينين فصاعدا، يعضد كل إسناد منهما الآخر، ثم يليه ما ضعف إسناده لنقص حفظ راويه، فمثل هذا يمشيه أبو داود، ويسكت عنه غالبا، ثم يليه ما كان بين الضعف من جهة راويه، فهذا لا يسكت عنه، بل يوهنه غالبا، وقد يسكت عنه بحسب شهرته ونكارته، والله أعلم.

قال الحافظ زكريا الساجي: كتاب الله أصل الإسلام، وكتاب أبي داود عهد الإسلام.

قلت: كان أبو داود مع إمامته في الحديث وفنونه من كبار الفقهاء، فكتابه يدل على ذلك، وهو من نجباء أصحاب الإمام أحمد، لازم مجلسه مدة، وسأله عن دقاق المسائل في الفروع والأصول.

وكان على مذهب السلف في اتباع السنة والتسليم لها، وترك الخوض في مضائق الكلام.

روى الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: كان عبد الله بن مسعود يشبه بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في هديه ودله. وكان علقمة يشبه بعبد الله في ذلك.

قال جرير بن عبد الحميد: وكان إبراهيم النخعي يشبه بعلقمة في ذلك، وكان منصور يشبه بإبراهيم.