قال أبو الوليد الباجي في كتاب " اختصار فرق الفقهاء " من تأليفه في ذكر القاضي ابن الباقلاني: لقد أخبرني الشيخ أبو ذر وكان يميل إلى مذهبه، فسألته: من أين لك هذا؟ قال: إني كنت ماشيا ببغداد مع الحافظ الدارقطني، فلقينا أبا بكر بن الطيب فالتزمه الشيخ أبو الحسن، وقبل وجهه وعينيه، فلما فارقناه، قلت له: من هذا الذي صنعت به ما لم أعتقد أنك تصنعه وأنت إمام وقتك؟ فقال: هذا إمام المسلمين، والذاب عن الدين، هذا القاضي أبو بكر محمد بن الطيب. قال أبو ذر: فمن ذلك الوقت تكررت إليه مع أبي، كل بلد دخلته من بلاد خراسان وغيرها لا يشار فيها إلى أحد من أهل السنة إلا من كان على مذهبه وطريقه.
قلت: هو الذي كان ببغداد يناظر عن السنة وطريقة الحديث بالجدل والبرهان، وبالحضرة رءوس المعتزلة والرافضة والقدرية وألوان البدع، ولهم دولة وظهور بالدولة البويهية، وكان يرد على الكرامية، وينصر الحنابلة عليهم، وبينه وبين أهل الحديث عامر، وإن كانوا قد يختلفون في مسائل دقيقة، فلهذا عامله الدارقطني بالاحترام، وقد ألف كتابا سماه:" الإبانة "، يقول فيه: فإن قيل: فما الدليل على أن لله وجها ويدا؟ قال: قوله: ويبقى وجه ربك وقوله: ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي فأثبت تعالى لنفسه وجها ويدا. . . إلى أن قال: فإن قيل: فهل تقولون: إنه في كل مكان؟ قيل: معاذ الله! بل هو مستو على عرشه كما أخبر في كتابه. . . إلى أن قال: وصفات ذاته التي لم يزل ولا يزال موصوفا بها: الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والوجه واليدان والعينان والغضب والرضى. فهذا نص كلامه. وقال نحوه في كتاب " التمهيد " له، وفي كتاب " الذب عن الأشعري " وقال: قد بينا دين الأمة وأهل السنة أن هذه الصفات تمر كما جاءت بغير تكييف ولا تحديد ولا تجنيس ولا تصوير.