فجاءهم التاجر، فقال: إما أن تعطوني مالي، وإما أن أكلمه في ذلك، فقالوا: لا نعطيك شيئا، قال: إذن والله لأكلمنه. قالوا: فدونك، فجاءه فجلس بين يديه، فقال: أيها الملك، ابتعت غلاما من قوم بالسوق بست مائة درهم، فأسلموه إلي، وأخذوا دراهمي، حتى إذا سرت بغلامي أدركوني، فأخذوا غلامي ومنعوني دراهمي. فقال لهم النجاشي: لتعطنه دراهمه، أو ليسلمن غلامه في يديه، فليذهبن به حيث يشاء، قالوا: بل نعطيه دراهمه، قالت: فلذلك يقول: ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه. وكان ذلك أول ما خبر من صلابته في دينه وعدله في حكمه، ثم قالت: لما مات النجاشي، كنا نتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور. " المسند " لأحمد بن حنبل: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي، أمنا على ديننا، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه.
فلما بلغ ذلك قريشا، ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين، وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم، فجمعوا له أدما كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا إليه هدية، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي، وعمرو بن العاص السهمي، وأمروهما أمرهم، وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم، ثم قدموا له هداياه، ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم.