قلت: كان ذا جلالة عجيبة، ووقار وهيبة، وفصاحة، وعلم نافع، وكان متين الديانة، سلفي الجملة، صحيح النحلة، كافا عن الخوض في مزلات الأقدام، مؤمنا بالله، وبما جاء عن الله من أسمائه ونعوته، حسن البزة، وافر الحرمة، معظما عند السلطان، وقد سمع الكثير بمرو من محمد بن إسماعيل الموسوي، وأبي جعفر محمد بن محمد السنجي، ومحمد بن عمر المسعودي، وكان قدومه دمشق في حدود سنة ثلاث عشرة بعد أن فرغ من خراسان والعراق والجزيرة. وكان مع تبحره في الفقه مجودا لما ينقله، قوي المادة من اللغة والعربية، متفننا في الحديث متصونا، مكبا على العلم، عديم النظير في زمانه، وله مسألة ليست من قواعده شذ فيها وهي صلاة الرغائب قواها ونصرها مع أن حديثها باطل بلا تردد، ولكن له إصابات وفضائل.
ومن فتاويه أنه سئل عمن يشتغل بالمنطق والفلسفة فأجاب: الفلسفة أس السفه والانحلال، ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة، ومن تفلسف، عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المؤيدة بالبراهين، ومن تلبس بها، قارنه الخذلان والحرمان، واستحوذ عليه الشيطان، وأظلم قلبه عن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، إلى أن قال: واستعمال الاصطلاحات المنطقية في مباحث الأحكام الشرعية من المنكرات المستبشعة، والرقاعات المستحدثة، وليس بالأحكام الشرعية - ولله الحمد - افتقار إلى المنطق أصلا، هو قعاقع قد أغنى الله عنها كل صحيح الذهن، فالواجب على السلطان أعزه الله أن يدفع عن المسلمين شر هؤلاء المشائيم، ويخرجهم من المدارس ويبعدهم.