وعن محمد بن وضاح أن إبراهيم بن المنذر الحزامي، قال له: أتاني صاحبكم عبد الملك بن حبيب بغرارة مملوءة كتبا، فقال لي: هذا علمك تجيزه لي؟ فقلت له: نعم. ما قرأ علي منه حرفا، ولا قرأته عليه. وكان محمد بن عمر بن لبابة، يقول: ابن حبيب عالم الأندلس، ويحيى بن يحيى عاقلها، وعيسى بن دينار فقيهها.
قال أبو القاسم بن بشكوال: قيل لسحنون: مات ابن حبيب. فقال: مات عالم الأندلس! بل - والله - عالم الدنيا.
حكى بعضهم قال: هاجت الريح، فرأيت عبد الملك بن حبيب رافعا يديه، متعلقا بحبال المركب، يقول: اللهم إن كنت تعلم أني إنما أردت ابتغاء وجهك وما عندك فخلصنا. قال: فسلم الله.
قال أبو عمر أحمد بن سعيد الصدفي: قلت لأحمد بن خالد: إن " الواضحة " عجيبة جدا، وإن فيها علما عظيما فما يدخلها؟ قال:: أول ذلك أنه حكى فيها مذاهب لم نجدها لأحد من أصحابه، ولا نقلت عنهم.
قال أبو عمر الصدفي في " تاريخه ": كان كثير الرواية، كثير الجمع، يعتمد على الأخذ بالحديث، ولم يكن يميزه، ولا يعرف الرجال، وكان فقيها في المسائل. قال: وكان يطعن عليه بكثرة الكتب. وذكر أنه كان يستجيز الأخذ بلا رواية ولا مقابلة، وأنه أخذ بالإجازة كثيرا. قال: وأشير إليه بالكذب، سمعت أحمد بن خالد يطعن عليه بذلك، ويتنقصه غير مرة. وقال: ظهر كذبه في " الواضحة " في غير شيء، فسمعت محمد بن وضاح، يقول: أخبرني ابن أبي مريم، قال: كان ابن حبيب بمصر، فكان يضع الطويلة، وينسخ طول نهاره. فقلت له: إلى كم ذا النسخ، متى تقرؤه على الشيخ؟ قال: قد أجاز لي كتبه، يعني: أسد بن موسى، فأتيت أسدا، فقلت: تمنعنا أن نقرأ عليك، وتجيز لغيرنا؟ فقال: أنا لا أرى القراءة، فكيف أجيز؟ فأخبرته. فقال: إنما أخذ مني كتبي، فيكتب منها، ليس ذا علي.