قال أحمد بن محمد بن عبد البر: وكان بينه وبين يحيى بن يحيى وحشة. كان كثير المخالفة له، لقي أصبغ بمصر، فأكثر عنه. فكان يعارض يحيى عند الأمر، ويرد قوله، فيغتم لذلك. قال: فجمعهم القاضي مرة في الجامع، فسألهم عن مسألة، فأفتى فيها يحيى بن يحيى، وسعيد بن حسان بالرواية، فخالفهما عبد الملك، وذكر خلافهما رواية عن أصبغ، وكان عبد الأعلى بن وهب شابا، قد حج ولحق أصبغ، فحدثنا أحمد بن خالد، عن ابن وضاح، عن عبد الأعلى قال: دخلت على سعيد بن حسان، فقال: ما تقول في كذا للمسألة المذكورة؟ هل يذكر فيها الأصبغ شيئا؟ قلت: نعم. يقول فيها بكذا وكذا، فذكر موافقة سعيد ويحيى، فقال لي سعيد: انظر ما تقول، أنت على يقين منها؟ قلت: نعم. قال: فأتني بكتابك، فخرجت مسرعا، ثم ندمت فأخرجتها من قرطاس، فسررت، وأتيته بالكتاب. قال: تمضي به إلى أبي محمد، فمضيت به إلى يحيى بن يحيى، فأعلمته، فاجتمعا بالقاضي، وقالا: هذا يخالفنا بالكذب، فاردعه وكفه. فجمعهم القاضي ثانيا، فتكلموا، فقال عبد الملك: قد أعلمتك بما يقول فيها أصبغ، فبدر عبد الأعلى، فقال: تكذب على أصبغ، أنا رويت هذه المسألة عنه على وفق ما قالا، وهذا كتابي، فقرأه القاضي، وقال لعبد الملك: ما ساءه، وخرح عليه، وقال: تفتينا بالكذب والخطأ، وتخالف أصحابك بالهوى! لولا البقيا عليك، لعاقبتك. قال عبد الأعلى: فلما خرجت خطرت على دار ابن رستم الحاجب، فرأيت عبد الملك خارجا من عنده في وجهه البشر، فقلت: لأدخلن على ابن رستم، فدخلت، فلم ينتظر جلوسي، وقال: يا مسكين، من غرك، أو من أدخلك في هذا؟ تعارض مثل ابن حبيب وتكذبه؟ فقلت: أصلحك الله، إنما سألني القاضي، فأجبت بما عندي. قال: وبعث الأمير إلى القاضي: يقول: من أمرك أن تشاور عبد الأعلى، فبعث يثني علي، ويقول: لم أر نفسي في سعة من ترك مشاورة مثله.