قلت: كان إماما دينا، ثقة، متقنا، علامة، متبحرا، صاحب سنة واتباع، وكان أولا أثريا ظاهريا فيما قيل، ثم تحول مالكيا مع ميل بين إلى فقه الشافعي في مسائل، ولا ينكر له ذلك، فإنه ممن بلغ رتبة الأئمة المجتهدين، ومن نظر في مصنفاته بان له منزلته من سعة العلم، وقوة الفهم، وسيلان الذهن، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن إذا أخطأ إمام في اجتهاده، لا ينبغي لنا أن ننسى محاسنه، ونغطي معارفه، بل نستغفر له، ونعتذر عنه.
قال أبو القاسم بن بشكوال: ابن عبد البر إمام عصره، وواحد دهره، يكنى أبا عمر، روى بقرطبة عن خلف بن القاسم، وعبد الوارث بن سفيان، وسعيد بن نصر، وأبي محمد بن عبد المؤمن، وأبي محمد بن أسد، وجماعة يطول ذكرهم. وكتب إليه من المشرق السقطي، والحافظ عبد الغني، وابن سيبخت، وأحمد بن نصر الداودي، وأبو ذر الهروي، وأبو محمد بن النحاس.
قال أبو علي بن سكرة: سمعت أبا الوليد الباجي يقول: لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر بن عبد البر في الحديث، وهو أحفظ أهل المغرب.
وقال أبو علي الغساني: ألف أبو عمر في " الموطأ " كتبا مفيدة، منها: كتاب " التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد " فرتبه على أسماء شيوخ مالك، على حروف المعجم، وهو كتاب لم يتقدمه أحد إلى مثله، وهو سبعون جزءا.
قلت: هي أجزاء ضخمة جدا.
قال ابن حزم: لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله فكيف أحسن منه؟.
ثم صنع كتاب " الاستذكار لمذهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار " شرح فيه " الموطأ " على وجهه، وجمع كتابا جليلا مفيدا وهو " الاستيعاب في أسماء الصحابة " وله كتاب " جامع بيان العلم وفضله، وما ينبغي في روايته وحمله " وغير ذلك من تواليفه.