وحدثنا التاج محمد بن عبد الرحمن المسعودي، سمعت الحافظ أبا العلاء الهمذاني يقول لبعض تلامذته -وقد استأذنه أن يرحل- فقال: إن عرفت أستاذا [أعلم مني] أو في الفضل مثلي، فحينئذ آذن إليك أن تسافر إليه، اللهم إلا أن تسافر إلى الحافظ ابن عساكر، فإنه حافظ كما يجب، فقلت: من هذا الحافظ؟ فقال: حافظ الشام أبو القاسم، يسكن دمشق. . وأثنى عليه.
وكان يجري ذكره عند ابن شيخه، وهو الخطيب أبو الفضل بن أبي نصر الطوسي، فيقول: ما نعلم من يستحق هذا اللقب اليوم -أعني الحافظ - ويكون حقيقا به سواه. كذا حدثني أبو المواهب بن صصرى.
وقال: لما دخلت همذان أثنى عليه الحافظ أبو العلاء، وقال لي: أنا أعلم أنه لا يساجل الحافظ أبا القاسم في شأنه أحد، فلو خالق الناس ومازجهم كما أصنع، إذا لاجتمع عليه الموافق والمخالف.
وقال لي أبو العلاء يوما: أي شيء فتح له، وكيف ترى الناس له؟ قلت: هو بعيد من هذا كله، لم يشتغل منذ أربعين سنة إلا بالجمع والتصنيف والتسميع حتى في نزهه وخلواته، فقال: الحمد لله، هذا ثمرة العلم، ألا إنا قد حصل لنا هذه الدار والكتب والمسجد، هذا يدل على قلة حظوظ أهل العلم في بلادكم. ثم قال لي: ما كان يسمى أبو القاسم ببغداد إلا شعلة نار من توقده وذكائه وحسن إدراكه.
وروى زين الأمناء، حدثنا ابن القزويني، عن والده مدرس النظامية قال: حكى لنا الفراوي قال: قدم علينا ابن عساكر، فقرأ علي في ثلاثة أيام فأكثر، فأضجرني، وآليت أن أغلق بابي، وأمتنع، جرى هذا الخاطر لي بالليل، فقدم من الغد شخص، فقال: أنا رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليك، رأيته في النوم، فقال: امض إلى الفراوي، وقل له: إن قدم بلدكم رجل من أهل الشام أسمر يطلب حديثي، فلا يأخذنا منه ضجر ولا ملل. قال: فما كان الفراوي يقوم حتى يقوم الحافظ أولا.