قلت: هذه رؤيا حق، فتصانيف البيهقي عظيمة القدر، غزيرة الفوائد، قل من جود تواليفه مثل الإمام أبي بكر، فينبغي للعالم أن يعتني بهؤلاء سيما " سننه الكبير " وقد قدم قبل موته بسنة أو أكثر إلى نيسابور، وتكاثر عليه الطلبة، وسمعوا منه كتبه، وجلبت إلى العراق والشام والنواحي، واعتنى بها الحافظ أبو القاسم الدمشقي، وسمعها من أصحاب البيهقي، ونقلها إلى دمشق هو وأبو الحسن المرادي.
وبلغنا عن إمام الحرمين أبي المعالي الجويني قال: ما من فقيه شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا أبا بكر البيهقي، فإن المنة له على الشافعي لتصانيفه في نصرة مذهبه.
قلت: أصاب أبو المعالي، هكذا هو، ولو شاء البيهقي أن يعمل لنفسه مذهبا يجتهد فيه، لكان قادرا على ذلك، لسعة علومه، ومعرفته بالاختلاف، ولهذا تراه يلوح بنصر مسائل مما صح فيها الحديث. ولما سمعوا منه ما أحبوا في قدمته الأخيرة، مرض وحضرت المنية، فتوفي في عاشر شهر جمادى الأولى، سنة ثمان وخمسين وأربعمائة فغسل وكفن، وعمل له تابوت، فنقل ودفن ببيهق، وهي ناحية قصبتها خسروجرد، هي محتده، وهي على يومين من نيسابور، وعاش أربعا وسبعين سنة.
ومن الرواة عنه شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري، بالإجازة، وولده إسماعيل بن أحمد، وحفيده أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن أحمد، وأبو زكريا يحيى بن منده الحافظ، وأبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي، وزاهر بن طاهر الشحامي، وأبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي، وعبد الجبار بن عبد الوهاب الدهان، وعبد الجبار بن محمد الخواري وأخوه عبد الحميد بن محمد الخواري، وأبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن البحيري النيسابوري، المتوفى سنة أربعين وخمسمائة، وطائفة سواهم.