قال الحاكم: حج شيخنا أبو عبد الله بن أبي ذهل فكان يصف حفظه وتفرده بالتقدم في سنة ثلاث وخمسين، حتى استنكرت وصفه إلى أن حججت في سنة سبع وستين فجئت بغداد، وأقمت بها أزيد من أربعة أشهر، وكثر اجتماعنا بالليل والنهار فصادفته فوق ما وصفه ابن أبي ذهل، وسألته عن العلل والشيوخ، وله مصنفات يطول ذكرها.
قال أبو بكر الخطيب: كان الدارقطني فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علو الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال، مع الصدق والثقة، وصحة الاعتقاد، والاضطلاع من علوم سوى الحديث، منها القراءات، فإنه له فيها كتاب مختصر، جمع الأصول في أبواب عقدها في أول الكتاب، وسمعت بعض من يعتني بالقراءات، يقول: لم يسبق أبو الحسن إلى طريقته في هذا، وصار القراء بعده يسلكون ذلك، قال: ومنها المعرفة بمذاهب الفقهاء، فإن كتابه " السنن " يدل على ذلك، وبلغني أنه درس فقه الشافعي على أبي سعيد الإصطخري، وقيل: على غيره، ومنها المعرفة بالأدب والشعر، حدثني حمزة بن محمد بن طاهر: أن الدارقطني كان يحفظ ديوان السيد الحميري، فنسب لذا إلى التشيع.
قال أبو الفتح بن أبي الفوارس: كنا نمر إلى البغوي، والدارقطني صبي يمشي خلفنا بيده رغيف عليه كامخ.
قال الخطيب: حدثنا الأزهري قال: بلغني أن الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار، فجعل ينسخ جزءا كان معه، وإسماعيل يملي، فقال رجل: لا يصح سماعك وأنت تنسخ، فقال الدارقطني: فهمي للإملاء خلاف فهمك، كم تحفظ أملى الشيخ؟ فقال: لا أحفظ، فقال الدارقطني: أملى ثمانية عشر حديثا، الأول عن فلان عن فلان ومتنه كذا وكذا، والحديث الثاني عن فلان عن فلان، ومتنه كذا وكذا. ومر في ذلك حتى أتى على الأحاديث، فتعجب الناس منه أو كما قال.