وقال أبو بكر البرقاني: كان الدارقطني يملي علي العلل من حفظه.
قلت: إن كان كتاب " العلل " الموجود، قد أملاه الدارقطني من حفظه، كما دلت عليه هذه الحكاية، فهذا أمر عظيم، يقضى به للدارقطني أنه أحفظ أهل الدنيا، وإن كان قد أملى بعضه من حفظه فهذا ممكن، وقد جمع قبله كتاب " العلل " علي بن المديني حافظ زمانه.
قال رجاء بن محمد المعدل: كنا عند الدارقطني يوما والقارئ يقرأ عليه وهو يتنفل فمر حديث فيه نسير بن ذعلوق، فقال القارئ: بشير، فسبح الدارقطني، فقال: بشير، فسبح فقال: يسير. فتلا الدارقطني: ن والقلم.
وقال حمزة بن محمد بن طاهر: كنت عند الدارقطني وهو قائم يتنفل، فقرأ عليه أبو عبد الله بن الكاتب: عمرو بن شعيب، فقال: عمرو بن سعيد، فسبح الدارقطني، فأعاد، وقال: ابن سعيد ووقف، فتلا الدارقطني: يا شعيب أصلاتك تأمرك فقال ابن الكاتب: شعيب.
قال أبو الحسن العتيقي: حضرت أبا الحسن، وجاءه أبو الحسين البيضاوي بغريب ليقرأ له شيئا، فامتنع واعتل ببعض العلل، فقال: هذا غريب، وسأله أن يملي عليه أحاديث، فأملى عليه أبو الحسن من حفظه مجلسا تزيد أحاديثه على العشرين، متن جميعها:" نعم الشيء الهدية أمام الحاجة " قال: فانصرف الرجل، ثم جاءه بعد، وقد أهدى له شيئا، فقربه وأملى عليه من حفظه سبعة عشر حديثا، متون جميعها: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.
قلت: هذه حكاية صحيحة، رواها الخطيب عن العتيقي، وهي دالة على سعة حفظ هذا الإمام، وعلى أنه لوح بطلب شيء، وهذا مذهب لبعض العلماء، ولعل الدارقطني كان إذ ذاك محتاجا، وكان يقبل جوائز دعلج السجزي وطائفة، وكذا وصله الوزير ابن حنزابة بجملة من الذهب لما خرج له المسند.
قال الحاكم: دخل الدارقطني الشام ومصر على كبر السن، وحج واستفاد وأفاد، ومصنفاته يطول ذكرها.