قرأت بخط الوزير جمال الدين بن علي القفطي في سيرته: قال كاتبه الوزير ابن الميمندي: جاءنا رسول الملك بيدا على سرير كالنعش ; بأربع قوائم يحمله أربعة. وكان السلطان يعظم أمر الرسل لما يفعله أصحابهم برسله. قال: فحمل على حالته حتى صار بين يديه، فقال له الهندي: أي رجل أنت؟ قال: أدعو إلى الله، وأجاهد من يخالف دين الإسلام. قال: فما تريد منا؟ قال: أن تتركوا عبادة الأصنام، وتلتزموا شروط الدين، وتأكلوا لحم البقر. وتردد بينهما الكلام، حتى خوفه محمود وهدده، وقال الحاجب للهندي: أتدري لمن تخاطب؟ وبين يدي أي سلطان أنت؟ فقال الهندي: إن كان يدعو إلى الله كما يزعم، فليس هذا من شروط ذلك، وإن كان سلطانا قاهرا لا ينصف، فهذا أمر آخر. فقال الوزير: دعوه. ثم ورد الخبر بتشويش خراسان، وضاق على صاحب الهند الأمر، ورأى أن بلاده تخرب، فنفذ رسولا آخر، وتلطف، وقال: إن مفارقة ديننا لا سبيل إليه، وليس هنا مال نصالحك عليه، ولكن نجعل بيننا هدنة، ونكون تحت طاعتك. قال: أريد ألف فيل وألف منا ذهبا. قال: هذا لا قدرة لنا عليه. ثم تقرر بينهما تسليم خمسمائة فيل وثلاثة آلاف من فضة، واقترح محمود على الملك بيدا أن يلبس خلعته ويشد السيف والمنطقة ويضرب السكة باسمه. فأجاب، لكنه استعفي من السكة، فكانت الخلعة قباء نسج بالذهب، وعمامة قصب، وسيفا محلى، وفرسا وخفا، وخاتما عليه اسمه، وقال لرسوله: امض حتى يلبس ذلك، وينزل إلى الأرض، ويقطع خاتمه وأصبعه، ويسلمها إليك، فذلك علامة التوثقة. قال: وكان عند محمود شيء كثير من أصابع الملوك الذين هادنهم.