للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن النجار: قرأت بخط أبي بكر عبد الله بن نصر بن حمزة التيمي، سمعت الشيخ عبد القادر يقول: بلغت بي الضائقة في الغلاء إلى أن بقيت أياما لا آكل طعاما، بل أتبع المنبوذات، فخرجت يوما إلى الشط، فوجدت قد سبقني الفقراء، فضعفت، وعجزت عن التماسك، فدخلت مسجدا، وقعدت، وكدت أصافح الموت، ودخل شاب أعجمي ومعه خبز وشواء، وجلس يأكل، فكنت أكاد كلما رفع لقمة أن أفتح فمي، فالتفت فرآني، فقال: باسم الله، فأبيت، فأقسم علي، فأكلت مقصرا، وأخذ يسألني، ما شغلك، ومن أين أنت؟ فقلت: متفقه من جيلان. قال: وأنا من جيلان، فهل تعرف لي شابا جيلانيا اسمه عبد القادر، يعرف بسبط أبي عبد الله الصومعي الزاهد؟ فقلت: أنا هو. فاضطرب لذلك، وتغير وجهه، وقال: والله يا أخي، لقد وصلت إلى بغداد ومعي بقية نفقة لي، فسألت عنك، فلم يرشدني أحد إلى أن نفدت نفقتي، وبقيت بعدها ثلاثة أيام لا أجد ثمن قوتي إلا من مالك، فلما كان هذا اليوم الرابع، قلت: قد تجاوزتني ثلاثة أيام، وحلت لي الميتة، فأخذت من وديعتك ثمن هذا الخبز والشواء، فكل طيبا، فإنما هو لك، وأنا ضيفك الآن. فقلت: وما ذاك؟ قال: أمك وجهت معي ثمانية دنانير، والله ما خنتك فيها إلى اليوم، فسكنته، وطيبت نفسه، ودفعت إليه شيئا منها.

قال ابن النجار: كتب إلي عبد الله بن أبي الحسن الجبائي، قال: قال لي الشيخ عبد القادر: كنت في الصحراء أكرر في الفقه وأنا في فاقة، فقال لي قائل لم أر شخصه: اقترض ما تستعين به على طلب الفقه، فقلت: كيف أقترض وأنا فقير ولا وفاء لي؟ قال: اقترض وعلينا الوفاء.